لم يحدث، منذ اعتلاء الملك عرش المملكة، أن كان المغاربة، داخل الوطن وخارجه، مشدودين إلى شاشات التلفزيون وأجهزة الراديو مثلما كانوا مساء الأربعاء، فقد كان الجميع ينتظر من الملك أن «يفرتك الرمانة» و«يطلقنا للفراجة»، خصوصا والدعوات عبر الفيسبوك إلى التظاهر المليوني يوم 20 مارس لمطالبة الملك بالإصلاحات في أوجها.
الجميع كان ينتظر من الملك إما أن يصطف إلى جانب شرذمة من المحافظين والانتهازيين الذين يريدون تهريب الملكية لمصلحتهم الخاصة وسرقتها من الشعب، وإما أن يكشف عن وجهه الثوري الحقيقي متجاوزا مطالب ومزايدات بعض ثوريي أيام العطل الأسبوعية، ويعلن عن انقلاب دستوري شامل وجذري دون أن تسيل قطرة دم واحدة في الشوارع في سبيل هذا المطلب.
لقد ظل المغاربة يضعون أيديهم على قلوبهم خوفا على المغرب طيلة الأيام الأخيرة. ولا بد أنهم اليوم، بعد هذا الخطاب، قد تنفسوا الصعداء وهم يرون ملكهم يتجاوز الاستجابة لسقف مطلب التغيير لكي يبلغ سقف مطلب الثورة نفسها، مستحقا بذلك اسم محمد الثائر.
وإذا كان هناك من بلد أمامه فرصة تاريخية للاستفادة من الثورات والانتفاضات الشعبية التي تحدث في العالم العربي اليوم، فهو المغرب. وكما يقول المثل «داخل كل محنة هناك فرصة». ويبدو الآن، بعد الخطاب الملكي الأخير، أن ملك البلاد اختار أن يستغل الجانب الإيجابي في المحن التي تجتازها شعوب العالم العربي لكي يقود الثورة بنفسه ويصطف إلى جانب الشعب لتحقيق مطالبه المشروعة في العدالة والمساواة والكرامة.
لذلك كان خطاب مساء الأربعاء ثوريا بكل المقاييس، لأنه لم يكتف فقط بالاستجابة لمطالب الشعب على مستوى الإصلاحات السياسية بل إنه رفع العارضة عاليا عندما أعطى الشعب صلاحية اختيار الملكية التي يريدها عبر استفتاء شعبي حول الدستور الجديد.
هكذا، فالملك لن يكون هو من يفرض الملكية التي يريدها على الشعب، كما أن خديجة الرياضي والجمعية المغربية لحقوق الإنسان وحزب النهج الديمقراطي لن يكونوا هم من سيفرض على المغاربة الملكية التي يريدونها، بل إن الشعب هو الذي سيختار الملكية التي يريدها. وأكثر المقاييس ديمقراطية في العالم لمعرفة رأي الشعب هو الاستفتاء.
وعندما يتحدث الملك في خطابه عن الطابع الملكي للنظام دون أن يحدد ما إذا كانت هذه الملكية برلمانية أو تنفيذية، فإنه يفتح أمام اللجنة، التي ستسهر على اقتراح الدستور الجديد على الشعب، الباب على مصراعيه لكي يجتهد أعضاؤها ويكشفوا عن جرأة واستقلالية تعضد طموح الملك وترقى إلى ثوريته.
ولعل أول شيء لاحظه كل من تتبع الخطاب الملكي هو جلوس ولي العهد مولاي الحسن، لأول مرة، إلى جانب والده في خطاب حاسم يبشر بعهد ملكي جديد. إنها رسالة واضحة إلى كل أولئك الغربيين الذين تنبؤوا في كتبهم بأن الملك محمد السادس هو آخر الملوك العلويين. وهذه الرسالة تقول لهؤلاء إن الملكية في المغرب ستتطور وتتغير، ولكنها لن تنقرض.
الرسالة الثانية القوية كانت هي تأكيد الملك على أن الإسلام هو دين الدولة. وهو جواب واضح عن كل المطالب التي رفعتها بعض الجهات المطالبة بالتنصيص على الطابع العلماني للدولة المغربية.
إنه استباق ملكي لتجنب الأزمة الدستورية التي تعيشها مصر حاليا بعد الثورة بسبب الفصل الذي ينص، في الدستور، على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة المصرية.
فقد اكتشف صانعو الثورة المصرية أن هناك أقليات، قبطية بالخصوص، تريد أن تستغل صياغة الدستور الجديد لإلغاء الطابع الديني للدولة المصرية والدخول في عهد العلمانية. وقد رأينا كيف أن هذا النقاش تجاوز حدوده الديمقراطية لكي يتحول إلى تقاتل في الشوارع بالسكاكين والحجارة بين المسلمين والأقلية القبطية.
إننا نفهم الآن لماذا خصصت الكنائس الغربية ميزانيات كبيرة لمشروع نشر المسيحية في العالم العربي، وخصوصا المغرب العربي. فقد كانت هذه الخطة تروم خلق أقلية مسيحية داخل كل دولة إسلامية تستطيع أن تتفاوض مع النظام في الوقت المناسب، بحجة الحق في الحرية الدينية، من أجل إزالة الفصل الدستوري الذي ينص على الطابع الديني للدولة. لحسن الحظ أن الدولة المغربية تفطنت لهذا المخطط المحكم وأفشلته في مهده.
الملك يعرف أن المغاربة يمكن أن يتسامحوا في كل شيء إلا في دينهم. ولذلك، فالتركيز على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة رسالة واضحة موجهة إلى القوى التي تنادي بعلمنة المجتمع المغربي ومحاربة مظاهر «أسلمته»، مفادها أن الإسلام سيبقى ركنا أساسيا من أركان الدولة.
الرسالة الثالثة تتعلق بالمكون الأمازيغي عندما نص المرتكز الأول للإصلاح الدستوري الذي جاء به الملك على ضرورة تكريس الطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة.
وهذه رسالة واضحة إلى الذين يحاولون تحويل الأمازيغية من إرث مشترك بين جميع المغاربة إلى أصل تجاري مسجل باسم البعض منهم للمزايدة السياسية والحديث باسم ملايين الأمازيغ دون أن يكون هؤلاء الأمازيغ قد فوضوا إليهم حق تمثيلهم والحديث باسمهم واتخاذ مواقف إيديولوجية في المحافل الدولية تسير أحيانا ضد وحدة الدين والوطن.
أما الرسالة الأقوى في الإصلاح الدستوري الذي يقترحه الملك فهي نزعه، وبدون بنج، أنيابَ وزارة الداخلية عندما أعلن عن نزع وصاية العمال والولاة على الشأن المحلي في المدن والأقاليم ووضع سلطة التسيير والأمر بالصرف والقرار بين أيدي رؤساء الجهات المنتخبين في إطار الجهوية.
هكذا، سينحصر دور العمال والولاة في التنسيق بين عمل السلطات العمومية داخل المدينة والإقليم، تاركين التسيير والتحكم في الصرف والميزانيات لرؤساء الجهات الذين سينتخبهم الشعب.
هكذا يكون الملك قد أنجز نصيبه من الثورة التي كان ينتظرها الشعب، وربما أنجز أكثر حتى مما كانت تتوقعه الطبقة السياسية بجميع ألوان طيفها، فقد أعلن الثورة على الطابع العتيق للملكية ومؤسسة الوزير الأول ومجلس الحكومة والعدالة وفصل السلط ودور البرلمان والجهوية.
فهل ستكون الطبقة السياسية في مستوى إنجاز نصيبها من الثورة التي يتزعمها الملك والشعب؟ هل ستتبع الأحزاب السياسية الإيقاع الثوري للملك وتجري إصلاحا شاملا وجذريا على هيئاتها العتيقة وتنظف بيتها الداخلي من الأوساخ التي علقت بها، وتتنفس أخيرا هواء الثورة الخلاقة؟
إن ما يخشاه المغاربة، اليوم، هو أن تتسبب هذه الأحزاب، التي شاخت قياداتها، في إجهاض ثورة الملك والشعب.
ولذلك، فاليوم وبعد هذا الخطاب الملكي، أصبح حتميا وضروريا أن تتحرر الطاقات الشابة والثورية داخل هذه الأحزاب لكي تطيح بجميع القيادات العتيقة والعاجزة عن مسايرة الروح الثورية الملكية.
وعندما نتحدث عن الأحزاب السياسية، فإننا نقصد حزبا تاريخيا عتيدا اسمه الاتحاد الاشتراكي، توجد بداخله قوى شبابية مكتوفة الأيدي مكممة الأفواه مغيبة الصوت مستعدة لإنقاذ سفينة الحزب من الغرق إذا ما توحدت وراء برنامج ومشروع الاتحاد الاشتراكي كما سطره عبد الرحيم بوعبيد.
عندما يتحدث الملك في خطابه عن ضرورة تقوية دور الأحزاب السياسية دستوريا وتكريس دور المعارضة البرلمانية، فإن ذلك يعني أن الإصلاح الدستوري المنتظر لن ينجح بدون وجود أحزاب سياسية قوية ومعارضة تقوم بدور السلطة المضادة.
وللحصول على أحزاب سياسية قوية، ليست هناك وصفة سحرية.. يجب أن يقوم الشباب داخل هذه الأحزاب السياسية بثورتهم الخاصة لكي تصبح الكفاءة الذهنية والنزاهة الفكرية هي مفتاح الترقي السياسي، وليس القرابة العائلية والولاء الأعمى للقيادة كما هو حاصل اليوم في جميع الأحزاب السياسية.
إذا كان الملك مستعدا لعرض إمكانية التخلي عن بعض صلاحياته للاستفتاء الشعبي، فكيف يتشبث هؤلاء الزعماء الحزبيون بصلاحياتهم الأبدية ويستمرون في التسلط على أحزابهم إلى نهاية أعمارهم؟
إذا كان المصريون والتونسيون والليبيون يعتقدون أن زعماءهم حطموا الأرقام القياسية في البقاء في السلطة، فهم واهمون. فنحن، مثلا، لدينا زعيم حزب كالاتحاد الاشتراكي يسكن في البرلمان منذ 1963، أي أنه منذ خمسين سنة وهو في مكانه، بحيث لم يبق لهم سوى أن يكتبوا له هذا البرلمان في اسمه لكي يورثه لأبنائه مع كل الأراضي الشاسعة التي حصل عليها في الغرب طيلة نصف قرن من «النضال الاشتراكي».
وعندما حاول أحد أعضاء المكتب السياسي للاتحاد، محمد بوبكري، أن يثور في وجه هؤلاء البورجوازيين الاشتراكيين الذين استعملوا الحزب للاستفادة من اقتصاد الريع، تصدى له بعض الوصوليين وهددوه بعرضه على اللجنة التأديبية بتهمة الإساءة إلى صورة الحزب، مع أن من أساؤوا إلى صورة الحزب معروفون، وأغلبهم حوّل «الاتحاد الاشتراكي» إلى «اتحاد الشركات» وقايض مواقف الحزب التاريخية بحقائب وزارية أصبحت الآن في مهب الريح.
مثلما انحاز الملك إلى الشعب، على الأحزاب السياسية أن تنحاز هي الأخرى إلى الشعب. ومثلما أطلق الملك شرارة الثورة على الأحزاب السياسية أن تلتقط الشرارة وأن تعيد الحياة إلى شعلة الرفض والمقاومة والصراع الفكري والسياسي التي أخمدها بداخلها الوصوليون والانتهازيون وتجار المواقف.
وإن هذه ثورتكم ثورة واحدة، فشمروا الأكمام وتوكلوا على الله، انصرفوا للعمل.
* شوف تشوف
الجميع كان ينتظر من الملك إما أن يصطف إلى جانب شرذمة من المحافظين والانتهازيين الذين يريدون تهريب الملكية لمصلحتهم الخاصة وسرقتها من الشعب، وإما أن يكشف عن وجهه الثوري الحقيقي متجاوزا مطالب ومزايدات بعض ثوريي أيام العطل الأسبوعية، ويعلن عن انقلاب دستوري شامل وجذري دون أن تسيل قطرة دم واحدة في الشوارع في سبيل هذا المطلب.
لقد ظل المغاربة يضعون أيديهم على قلوبهم خوفا على المغرب طيلة الأيام الأخيرة. ولا بد أنهم اليوم، بعد هذا الخطاب، قد تنفسوا الصعداء وهم يرون ملكهم يتجاوز الاستجابة لسقف مطلب التغيير لكي يبلغ سقف مطلب الثورة نفسها، مستحقا بذلك اسم محمد الثائر.
وإذا كان هناك من بلد أمامه فرصة تاريخية للاستفادة من الثورات والانتفاضات الشعبية التي تحدث في العالم العربي اليوم، فهو المغرب. وكما يقول المثل «داخل كل محنة هناك فرصة». ويبدو الآن، بعد الخطاب الملكي الأخير، أن ملك البلاد اختار أن يستغل الجانب الإيجابي في المحن التي تجتازها شعوب العالم العربي لكي يقود الثورة بنفسه ويصطف إلى جانب الشعب لتحقيق مطالبه المشروعة في العدالة والمساواة والكرامة.
لذلك كان خطاب مساء الأربعاء ثوريا بكل المقاييس، لأنه لم يكتف فقط بالاستجابة لمطالب الشعب على مستوى الإصلاحات السياسية بل إنه رفع العارضة عاليا عندما أعطى الشعب صلاحية اختيار الملكية التي يريدها عبر استفتاء شعبي حول الدستور الجديد.
هكذا، فالملك لن يكون هو من يفرض الملكية التي يريدها على الشعب، كما أن خديجة الرياضي والجمعية المغربية لحقوق الإنسان وحزب النهج الديمقراطي لن يكونوا هم من سيفرض على المغاربة الملكية التي يريدونها، بل إن الشعب هو الذي سيختار الملكية التي يريدها. وأكثر المقاييس ديمقراطية في العالم لمعرفة رأي الشعب هو الاستفتاء.
وعندما يتحدث الملك في خطابه عن الطابع الملكي للنظام دون أن يحدد ما إذا كانت هذه الملكية برلمانية أو تنفيذية، فإنه يفتح أمام اللجنة، التي ستسهر على اقتراح الدستور الجديد على الشعب، الباب على مصراعيه لكي يجتهد أعضاؤها ويكشفوا عن جرأة واستقلالية تعضد طموح الملك وترقى إلى ثوريته.
ولعل أول شيء لاحظه كل من تتبع الخطاب الملكي هو جلوس ولي العهد مولاي الحسن، لأول مرة، إلى جانب والده في خطاب حاسم يبشر بعهد ملكي جديد. إنها رسالة واضحة إلى كل أولئك الغربيين الذين تنبؤوا في كتبهم بأن الملك محمد السادس هو آخر الملوك العلويين. وهذه الرسالة تقول لهؤلاء إن الملكية في المغرب ستتطور وتتغير، ولكنها لن تنقرض.
الرسالة الثانية القوية كانت هي تأكيد الملك على أن الإسلام هو دين الدولة. وهو جواب واضح عن كل المطالب التي رفعتها بعض الجهات المطالبة بالتنصيص على الطابع العلماني للدولة المغربية.
إنه استباق ملكي لتجنب الأزمة الدستورية التي تعيشها مصر حاليا بعد الثورة بسبب الفصل الذي ينص، في الدستور، على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة المصرية.
فقد اكتشف صانعو الثورة المصرية أن هناك أقليات، قبطية بالخصوص، تريد أن تستغل صياغة الدستور الجديد لإلغاء الطابع الديني للدولة المصرية والدخول في عهد العلمانية. وقد رأينا كيف أن هذا النقاش تجاوز حدوده الديمقراطية لكي يتحول إلى تقاتل في الشوارع بالسكاكين والحجارة بين المسلمين والأقلية القبطية.
إننا نفهم الآن لماذا خصصت الكنائس الغربية ميزانيات كبيرة لمشروع نشر المسيحية في العالم العربي، وخصوصا المغرب العربي. فقد كانت هذه الخطة تروم خلق أقلية مسيحية داخل كل دولة إسلامية تستطيع أن تتفاوض مع النظام في الوقت المناسب، بحجة الحق في الحرية الدينية، من أجل إزالة الفصل الدستوري الذي ينص على الطابع الديني للدولة. لحسن الحظ أن الدولة المغربية تفطنت لهذا المخطط المحكم وأفشلته في مهده.
الملك يعرف أن المغاربة يمكن أن يتسامحوا في كل شيء إلا في دينهم. ولذلك، فالتركيز على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة رسالة واضحة موجهة إلى القوى التي تنادي بعلمنة المجتمع المغربي ومحاربة مظاهر «أسلمته»، مفادها أن الإسلام سيبقى ركنا أساسيا من أركان الدولة.
الرسالة الثالثة تتعلق بالمكون الأمازيغي عندما نص المرتكز الأول للإصلاح الدستوري الذي جاء به الملك على ضرورة تكريس الطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة.
وهذه رسالة واضحة إلى الذين يحاولون تحويل الأمازيغية من إرث مشترك بين جميع المغاربة إلى أصل تجاري مسجل باسم البعض منهم للمزايدة السياسية والحديث باسم ملايين الأمازيغ دون أن يكون هؤلاء الأمازيغ قد فوضوا إليهم حق تمثيلهم والحديث باسمهم واتخاذ مواقف إيديولوجية في المحافل الدولية تسير أحيانا ضد وحدة الدين والوطن.
أما الرسالة الأقوى في الإصلاح الدستوري الذي يقترحه الملك فهي نزعه، وبدون بنج، أنيابَ وزارة الداخلية عندما أعلن عن نزع وصاية العمال والولاة على الشأن المحلي في المدن والأقاليم ووضع سلطة التسيير والأمر بالصرف والقرار بين أيدي رؤساء الجهات المنتخبين في إطار الجهوية.
هكذا، سينحصر دور العمال والولاة في التنسيق بين عمل السلطات العمومية داخل المدينة والإقليم، تاركين التسيير والتحكم في الصرف والميزانيات لرؤساء الجهات الذين سينتخبهم الشعب.
هكذا يكون الملك قد أنجز نصيبه من الثورة التي كان ينتظرها الشعب، وربما أنجز أكثر حتى مما كانت تتوقعه الطبقة السياسية بجميع ألوان طيفها، فقد أعلن الثورة على الطابع العتيق للملكية ومؤسسة الوزير الأول ومجلس الحكومة والعدالة وفصل السلط ودور البرلمان والجهوية.
فهل ستكون الطبقة السياسية في مستوى إنجاز نصيبها من الثورة التي يتزعمها الملك والشعب؟ هل ستتبع الأحزاب السياسية الإيقاع الثوري للملك وتجري إصلاحا شاملا وجذريا على هيئاتها العتيقة وتنظف بيتها الداخلي من الأوساخ التي علقت بها، وتتنفس أخيرا هواء الثورة الخلاقة؟
إن ما يخشاه المغاربة، اليوم، هو أن تتسبب هذه الأحزاب، التي شاخت قياداتها، في إجهاض ثورة الملك والشعب.
ولذلك، فاليوم وبعد هذا الخطاب الملكي، أصبح حتميا وضروريا أن تتحرر الطاقات الشابة والثورية داخل هذه الأحزاب لكي تطيح بجميع القيادات العتيقة والعاجزة عن مسايرة الروح الثورية الملكية.
وعندما نتحدث عن الأحزاب السياسية، فإننا نقصد حزبا تاريخيا عتيدا اسمه الاتحاد الاشتراكي، توجد بداخله قوى شبابية مكتوفة الأيدي مكممة الأفواه مغيبة الصوت مستعدة لإنقاذ سفينة الحزب من الغرق إذا ما توحدت وراء برنامج ومشروع الاتحاد الاشتراكي كما سطره عبد الرحيم بوعبيد.
عندما يتحدث الملك في خطابه عن ضرورة تقوية دور الأحزاب السياسية دستوريا وتكريس دور المعارضة البرلمانية، فإن ذلك يعني أن الإصلاح الدستوري المنتظر لن ينجح بدون وجود أحزاب سياسية قوية ومعارضة تقوم بدور السلطة المضادة.
وللحصول على أحزاب سياسية قوية، ليست هناك وصفة سحرية.. يجب أن يقوم الشباب داخل هذه الأحزاب السياسية بثورتهم الخاصة لكي تصبح الكفاءة الذهنية والنزاهة الفكرية هي مفتاح الترقي السياسي، وليس القرابة العائلية والولاء الأعمى للقيادة كما هو حاصل اليوم في جميع الأحزاب السياسية.
إذا كان الملك مستعدا لعرض إمكانية التخلي عن بعض صلاحياته للاستفتاء الشعبي، فكيف يتشبث هؤلاء الزعماء الحزبيون بصلاحياتهم الأبدية ويستمرون في التسلط على أحزابهم إلى نهاية أعمارهم؟
إذا كان المصريون والتونسيون والليبيون يعتقدون أن زعماءهم حطموا الأرقام القياسية في البقاء في السلطة، فهم واهمون. فنحن، مثلا، لدينا زعيم حزب كالاتحاد الاشتراكي يسكن في البرلمان منذ 1963، أي أنه منذ خمسين سنة وهو في مكانه، بحيث لم يبق لهم سوى أن يكتبوا له هذا البرلمان في اسمه لكي يورثه لأبنائه مع كل الأراضي الشاسعة التي حصل عليها في الغرب طيلة نصف قرن من «النضال الاشتراكي».
وعندما حاول أحد أعضاء المكتب السياسي للاتحاد، محمد بوبكري، أن يثور في وجه هؤلاء البورجوازيين الاشتراكيين الذين استعملوا الحزب للاستفادة من اقتصاد الريع، تصدى له بعض الوصوليين وهددوه بعرضه على اللجنة التأديبية بتهمة الإساءة إلى صورة الحزب، مع أن من أساؤوا إلى صورة الحزب معروفون، وأغلبهم حوّل «الاتحاد الاشتراكي» إلى «اتحاد الشركات» وقايض مواقف الحزب التاريخية بحقائب وزارية أصبحت الآن في مهب الريح.
مثلما انحاز الملك إلى الشعب، على الأحزاب السياسية أن تنحاز هي الأخرى إلى الشعب. ومثلما أطلق الملك شرارة الثورة على الأحزاب السياسية أن تلتقط الشرارة وأن تعيد الحياة إلى شعلة الرفض والمقاومة والصراع الفكري والسياسي التي أخمدها بداخلها الوصوليون والانتهازيون وتجار المواقف.
وإن هذه ثورتكم ثورة واحدة، فشمروا الأكمام وتوكلوا على الله، انصرفوا للعمل.
* شوف تشوف