الخطاب الملكي ليوم 9 مارس ومطالب حركة 20 فبراير ــ ملاحظات أولية ــ بعد المسيرات السلمية الناجحة ليوم 20 فبراير 2011 التي شاهدها 53 إقليما وعمالة وحوالي 60 مدينة والتي تظاهر خلالها حوالي 000 300 مواطنة ومواطن، جزء كبير منهم من الشباب، وبعد إعلان حركة ش…باب 20 فبراير عن تنظيم مسيرات حاشدة يوم 20 مارس المقبل بمختلف مناطق المغرب ومساندة هذه المبادرة من طرف المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير، كهيئة تنسيقية وطنيا ومحليا، ومن طرف مكونات هذا المجلس، أصبح الجميع يتوقع مبادرة نوعية من طرف المؤسسة الملكية للرد على المد النضالي المتواصل منذ 20 فبراير والسائر نحو التطور والتصاعد. وتجسدت المبادرة في الخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011. فإلى أي حد تجاوب هذا الخطاب مع مطالب حركة شباب 20 فبراير؟ وبالتالي هل المطلوب مواصلة النضالات بدءا بإنجاح محطة 20 مارس أو توقيفها بعد أن تحققت الأهداف؟ لنذكر أولا بهذه المطالب كما تم الإعلان عنها من طرف ممثلي حركة شباب 20 فبراير في الندوة الصحفية المنظمة من طرف الهيئات الحقوقية يوم 17 فبراير 2011 بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان: ــ إقرار دستور ديمقراطي يمثل الإرادة الحقيقية للشعب؛ ــ حل الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تخضع لإرادة الشعب؛ ــ قضاء مستقل ونزيه؛ ــ محاكمة المتورطين في قضايا الفساد واستغلال النفوذ ونهب خيرات الوطن؛ ــ الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية والاهتمام بخصوصيات الهوية المغربية لغة وثقافة وتاريخا؛ ــ إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي ومحاكمة المسؤولين؛ ــ توفير شروط العيش الكريم وخاصة: § الإدماج الفوري والشامل للمعطلين في أسلاك الوظيفة العمومية؛ § ضمان حياة كريمة بالحد من غلاء المعيشة والرفع من الحد الأدنى للأجور؛ § تمكين عموم المواطنين من ولوج الخدمات الاجتماعية وتحسين مردوديتها. والآن ماذا عن مضمون الخطاب الملكي ليوم 9 مارس؟ الخطاب تعرض لنقطتين أساسيتين: ما يسمى بالجهوية المتقدمة وبالإصلاح الدستوري الشامل. فبالنسبة للنقطة الأولى، فقد تم الإعلان عن اختيار تكريس الجهوية دستوريا وانتخاب المجالس الجهوية بالاقتراع العام المباشر وتخويل رؤساء المجالس الجهوية سلطة تنفيذ مقرراتها بدل إسناد ذلك للولاة. يبدو لأول وهلة أن هذا الاختيار إيجابي ويسير في اتجاه دمقرطة العمل الجهوي؛ لكن يجب انتظار الاطلاع على المشروع المتكامل “للجهوية المتقدمة” قبل إعطاء موقف موضوعي ومتكامل بهذا الشأن. وفي جميع الأحوال، إن مسألة الجهوية لم تحظ بالأهمية المطلوبة من طرف حركة شباب 20 فبراير. أما بخصوص النقطة الثانية المتعلقة بالإصلاح الدستوري، يمكن أن نؤكد إجمالا أن الخطاب الملكي أتى بعدد من الإصلاحات الجزئية، لكن دون المساس بالجوهر المخزني والاستبدادي للدستور الحالي الذي ما هو إلا استمرارية للدستور الذي فرض على الشعب المغربي منذ حوالي نصف قرن سنة 1962. ولابد أن نسجل هنا بأن الإصلاحات الدستورية المثارة في الخطاب الملكي جاءت بالدرجة الأولى كنتيجة لحركة 20 فبراير التي تمكنت ــ في إطار مناخ النهوض العام الذي يعرفه العالم العربي بعد نجاح الثورتين التونسية والمصرية ّــ من تجاوز الطابوهات المتعلقة بالمسألة الدستورية وفرض نقاشها على الساحة المغربية دون خجل أو خوف ملتقية في ذلك مع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومع القوى الديمقراطية الجدرية التي ظلت تنفرد بطرح هذا الموضوع بشكل صريح وواضح. ما هي إذن الإصلاحات الإيجابية التي تقبل المؤسسة الملكية بإدراجها في الدستور المعدل بالإضافة إلى دسترة الجهوية المشار إليها أعلاه؟ أولا، “التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية وفي صلبها الأمازيغية كرصيد لجميع المغاربة”. إلا أنه لم تتم الإشارة إلى أحد المطالب الأساسية لعدد من الديمقراطيين وهو دسترة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية؛ ثانيا، “ترسيخ دولة الحق والمؤسسات، وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، وضمان ممارستها، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان، بكل أبعادها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، والثقافية والبيئية، ولاسيما بدسترة التوصيات الوجيهة لهيأة الإنصاف والمصالحة، والالتزامات الدولية للمغرب”؛ ثالثا، “الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري”؛ رابعا، “توطيد مبدأ فصل السلط” مع: ــ تخويل البرلمان اختصاصات جديدة وتوسيع مجال القانون وتبوء مجلس النواب مكان الصدارة وإعادة النظر في صلاحيات مجلس المستشارين في اتجاه تكريس تمثيليته الترابية للجهات. ــ انبثاق الحكومة عن صناديق الاقتراع مع تعيين الوزير الأول من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات هذا المجلس ومع “تقوية مكانة الوزير الأول كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية، يتولى المسؤولية على الحكومة والإدارة العمومية وقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي” ومع “دسترة مجلس الحكومة وتوضيح اختصاصاته”. خامسا، “تقوية دور الأحزاب السياسية في نطاق تعددية حقيقية وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية والمجتمع المدني”. سادسا، “تقوية آليات تخليق الحياة العامة وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة”. سابعا، “دسترة هيئات الحكامة الجيدة وحقوق الإنسان وحماية الحريات”. إن الإصلاحات المذكورة أعلاه، رغم إيجابياتها بالمقارنة مع الوضع الحالي، لن تمكن من نزع الطابع المخزني عن الدستور الحالي (وبالتالي عن النظام الحالي) الذي يرجع في جوهره إلى نصف قرن (1962) ولن يمكن بتاتا من التأسيس لنظام ديمقراطي عموما وحتى لنظام الملكية البرلمانية في شكلها المتطور الذي يجسده شعار “le roi règne et ne gouverne pas” والذي يترجم خطأ بعبارة “الملك يسود ولا يحكم”. إن أول ما يلفت الانتباه في الخطاب الملكي هو منح صلاحية بلورة مشروع الدستور المعدل إلى لجنة خاصة معينة من طرف الملك، في حين أن الديمقراطيين الحقيقيين ببلادنا ظلوا منذ نصف قرن يطالبون بإسناد بلورة مشروع الدستور إلى مجلس تأسيسي منتخب من طرف الشعب، أو على الأقل إلى إطار يضم ممثلي/ات سائر القوى الحية بالبلاد ويتم تشكيله بعد مشاورات واسعة معها. ماعدى ذلك فإن الدستور سيظل ينعت بأنه دستور ممنوح؛ وهذا ما أدى إلى مقاطعة الدستور الأول من طرف قوى المعارضة في 1962 وبعد ذلك. وحتى التصويت بنعم على دستور 1996 من طرف أكبر حزب معارض آنذاك، فقد تم تبريره بكونه تصويت سياسي هدفه الوصول إلى تصالح تاريخي بين الحركة الوطنية والقصر وفتح الباب أمام حكومة التناوب وما سمي زيفا بالانتقال الديمقراطي. إن الإطار المكلف ببلورة مشروع الدستور له أهمية كبرى؛ فإذا تمت البلورة من طرف المجلس التأسيسي أو ما يشابهه، فإن الشعب (وسلطة الشعب) ستكون له مكانة أساسية داخل الدستور أما إذا تمت البلورة من طرف المؤسسة الملكية (وبشكل غير مباشر من طرف هيئة تابعة لها) فإن الدستور سيعطيها مكانة أساسية على حساب الشعب وقواه الحية. أكثر من ذلك، إن استفراد المؤسسة الملكية ببلورة مشروع الدستور، يؤدي إلى تجميع السلط لدى هذه المؤسسة فنصبح أمام خلط للسلط؛ وبدل أن تكون لدينا ثلاث سلط مفصولة فيما بينها (التشريعية والتنفيذية والقضائية) كما هو الشأن في الديمقراطيات العريقة نصبح أمام أربع سلط: السلطة الملكية وهي الأساسية وتجمع على مستواها الجزء الأهم من السلطات التنفيذية (التحكم في المجلس الوزاري والجيش والأجهزة الأمنية والسلطات الترابية من عمال وولاة وغيرهم) والحكومة المتوفرة على جزء فقط من السلطة التنفيذية والبرلمان (الذي لا يتوفر بدوره على كل السلطات التشريعية) والقضاء (الذي يخضع بدوره عبر آليات محددة للسلطة الملكية)؛ وإذا أضفنا السلطة الدينية (الملك، أمير المؤمنين في نفس الوقت) للسلطة الملكية ستتضح مدى الهوة الفاصلة بين النظام المغربي وبين الديمقراطية المتعارف عليها عالميا. إن التعديل الدستوري المرتقب علاوة على بلورته من طرف المؤسسة الملكية، بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريف اللجنة الخاصة، فإنه ينطلق من ثوابت رفعت إلى درجة القداسة حيث جاء في الخطاب الملكي: “ولنا في قدسية ثوابتنا، التي هي محط إجماع وطني، وهي الإسلام كدين للدولة، الضامنة لحرية ممارسة الشعائر الدينية وإمارة المؤمنين، والنظام الملكي، والوحدة الوطنية والترابية، والخيار الديمقراطي، الضمان القوي، والأساس المتين، لتوافق تاريخي، يشكل ميثاقا جديدا بين العرش والشعب”. إن هذه الثوابت رغم تضمنها لصيغة “الخيار الديمقراطي” فهي نفس الثوابت القديمة والتي تعتبر بمثابة مقدسات والتي تشكل حاجزا أمام ممارسة الحريات والتطور الديمقراطي. فلا غرابة إذن أن يكون من أهم الشعارات ــ المرفوعة من طرف شباب 20 فبراير ــ “باراكا مقدسات زيدونا في الحريات”. إن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان كمكون أساسي داخل الحركة الحقوقية والديمقراطية المغربية، قد ظلت تطالب بدل محاصرة الحريات والديمقراطية بالمقدسات، بإقرار الدستور الديمقراطي المنشود بقيم حقوق الإنسان الكبرى المتجسدة في: الكرامة والحرية والمساواة والتضامن وقدسية الحياة. وإذا رجعنا إلى أحد الثوابت المقدسة دستوريا وهو إمارة المؤمنين كصفة أساسية للملك سيتضح لنا كيف أن الدستور حتى بعد إدخال عدد من الإصلاحات المشار إليها أعلاه سيظل يحتفظ بطابعه المخزني شبه الأتوقراطي وشبه التيوقراطي. وتدل كل المؤشرات أنه سيتم الحفاظ على جوهر الفصل 19 والذي هو جوهر الدستور الحالي وجوهر الدستور القادم والذي لا يمكن معه الحديث عن دستور ديمقراطي. ضمن مطالبنا الأساسية الواردة في البيان العام الصادر عن المؤتمر الوطني التاسع للجمعية جاء ما يلي: إن الدستور الديمقراطي المنشود يجب أن يرسخ قيم ومعايير حقوق الإنسان الكونية، ومن ضمنها المساواة، وفي مقدمتها المساواة في كافة المجالات بين الرجل والمرأة، ومبدأ سمو المواثيق والاتفاقيات الدولية المصادق عليها على التشريعات الوطنية، والسيادة الشعبية التي تجعل من الشعب أساس ومصدر كل السلطات، وتوفر الحكومة على كافة السلطات التنفيذية والبرلمان على كافة الصلاحيات التشريعية، والقضاء كسلطة وليس مجرد جهاز، والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفصل الدين عن الدولة. كما يجب أن يؤسس الدستور الديمقراطي المنشود للجهوية الديمقراطية وللحماية والنهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين والإقرار الدستوري للغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية.وإن المؤتمر وهو يؤكد على مطلب الدستور الديمقراطي كبوابة لبناء دولة الحق والقانون ومجتمع المواطنة بكافة الحقوق، يعرب عن تخوفه من أي محاولة جديدة لإجهاض هذا المطلب الديمقراطي الأصيل باللجوء إلى تعديلات جزئية وظرفية تحافظ على الجوهر الاستبدادي للدستور الحالي. من خلال موقف الجمعية بشأن المطلب الدستوري يتضح أن المقترحات الواردة في الخطاب الملكي لن تمكن من تحقيق الدستور الديمقراطي المنشود، الدستور الجديد الذي طالبت حركة 20 فبراير بدورها بإقراره على أنقاض الدستور المخزني الحالي. ولابد أن نشير هنا كذلك إلى أن المقترحات الإيجابية الواردة في الخطاب تتضمن هي الأخرى عددا من النواقص. فعندما تم إثارة دسترة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة تم الحديث عن “التوصيات الوجيهة”. فما هي هذه “التوصيات الوجيهة”؟ إن أخشى ما نخشاه هو أن يتم اعتبار بعض التوصيات المهمة جدا كتوصيات غير وجيهة مثل إلغاء عقوبة الإعدام أو الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية أو إقرار سمو المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على التشريعات المحلية. وبالنسبة للسلطات المخولة للوزير الأول نسجل أن الخطاب الملكي تحدث عن الوزير الأول كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية (بدون تعريف) وليس كرئيس للسلطة التنفيذية (بالتعريف). كما أن الخطاب تحدث عن توليه للمسؤولية الكاملة على الحكومة (وليس المجلس الوزاري) والإدارة العمومية دون ذكر الإدارة الترابية والإدارة الأمنية والجيش. ثم ماذا عن سلطة الوزير الأول على وزارة الأوقاف ووزارة الداخلية؟ إن الخطاب الملكي كما أشرنا لذلك في البداية لم يبرز سوى جزءا ضئيلا من مطالب حركة شباب 20 فبراير، التي لم يتم الجواب سوى على مطلب واحد من مطالبها وهو المطلب المتعلق بالدستور. وهذا الجواب كما بينا سالفا هو جواب ناقص حيث أن الدستور المعدل لن يشكل بوابة أمام إقرار دولة الحق والقانون ومجتمع المواطنة والديمقراطية ببلادنا. أما المطالب الأخرى المتعلقة بحل الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة انتقالية ومتابعة المتورطين في الفساد وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين بمن فيهم معتقلي حركة 20 فبراير، ومتابعة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة وتشغيل المعطلين وضمان الحياة الكريمة عبر الزيادة في الأجور والحد من غلاء المعيشة وتمكين المواطنين/ات من ولوج الخدمات الاجتماعية، مع تحسين مردوديتها والإقرار الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية، فلم يتم التطرق إليها. في الخلاصة يمكن القول إن الخطاب الملكي ليوم 09 مارس 2011 لم يشكل سوى جوابا جزئيا على مطالب حركة شباب 20 فبراير. وهذا الجواب موجه للنخبة؛ وقد يؤدي إلى إبعاد جزء منها عن حركة شباب 20 فبراير التي اهتمت بالإضافة للدستور بمطالب اقتصادية واجتماعية ملموسة من شأن تلبيتها تحسين أوضاع الشعب المغربي ككل ومن ضمنهم الشباب. فهل سيؤدي الخطاب إلى فتور حركة شباب 20 فبراير؟ لا أعتقد. مهما يكن من أمر إن قرار الشباب بيدهم ومصير الشباب بيد الشباب. موعدنا يوم 20 مارس
عبد الحميد أمين، مناضل
عبد الحميد أمين، مناضل