■ الإمام النووي (توفي سنة 676 هـ):
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في رسالته "مقاصد الإمام النووي في التوحيد والعبادة وأصول التصوف": (أصول طريق التصوف خمسة:
1. تقوى الله في السر والعلانية
2. اتباع السنة في الأقوال والأفعال
3. الإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار
4. الرضى عن الله في القليل والكثير
5. الرجوع إلى الله في السراء والضراء)
■ الإمام أبوحامد الغزالي (توفي سنة 505 هـ):
وها هوذا حجة الاسلام الامام أبوحامد الغزالي رحمه الله تعالى يتحدث في كتابه "المنقذ من الضلال" عن الصوفية وعن سلوكهم وطريقتهم الحقة الموصلة إلى الله تعالى فيقول:
(ولقد علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرتهم أحسن السيرة وطريقتهم أصوب الطرق وأخلاقهم أزكى الأخلاق...ثم يقول ردا على من أنكر على الصوفية وتهجم عليهم: وبالجملة فماذا يقول القائلون في طريقة طهارتها- وهي أول شروطها- تطهير القلب بالكلية عما سوى الله تعالى، ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلاة استغراق القلب بالكلية بذكر الله، وآخرها الفناء بالكلية في الله).
ويقول أيضاً بعد أن اختبر طريق التصوف ولمس نتائجه وذاق ثمراته: (الدخول مع الصوفية فرض عين، إلا يخلوأحد من عيب إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام).
■ الإمام فخر الدين الرازي (توفي سنة 606 هـ):
قال العلامة الكبير والمفسر الشهير الامام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى في كتابه (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين": "الباب الثامن في أحوال الصوفية: اعلم أن أكثر من حصر فرق الأمة لم يذكر الصوفية وذلك خطأ، لأن حاصل قول الصوفية أن الطريق إلى معرفة الله تعالى هوالتصفية والتجرد من العلائق البدنية، وهذا طريق حسن.. وقال أيضا: والمتصوفة قوم يشتغلون بالفكر وتجرد النفس عن العلائق الجسمانية، ويجتهدون ألا يخلوسرهم وبالهم عن ذكر الله تعالى في سائر تصرفاتهم وأعمالهم، منطبعون على كمال الأدب مع الله عز وجل، وهؤلاء هم خير فرق الآدميين
■ أبوالفضل عبد الله الصّدّيق الغماري
إن التصوف كبير قدره، جليل خطره، عظيم وقعه، عميق نفعه، أنواره لامعة، وأثماره يانعة، واديه قريع خصيب، وناديه يندولقاصديه من كل خير بنصيب، يزكي النفس من الدنس، ويطهر الأنفاس من الأرجاس، ويرقي الأرواح إلى مراقي الفلاح، ويوصل الإنسان إلى مرضاة الرحمن. وهو إلى جانب هذا ركن من أركان الدين، وجزء متمم لمقامات اليقين.
خلاصته: تسليم الأمور كلها لله، والالتجاء في كل الشؤون إليه. مع الرضا بالمقدور، من غير إهمال في واجب ولا مقاربة المحظور. كثرة أقوال العلماء في تعريفه، واختلفت أنظارهم في تحديده وتوصيفه، وذلك دليل على شرف اسمه ومسماه، ينبئ عن سموغايته ومرماه.. وإنما عبر كل قائل بحسب مدركه ومشربه. وعلى نحواختلافهم في التصوف اختلفوا في معنى الصوفي واشتقاقه.
ثم: إن التصوف مبني على الكتاب والسنة، لا يخرج عنهما قيد أنملة.
والحاصل: أنهم أهل الله وخاصته، الذين ترتجى الرحمة بذكرهم، ويستنزل الغيث بدعائهم، فرضي الله عنهم وعنا بهم.
ومن أوصاف هذه الطائفة: الرأفة، والرحمة، والعفو، والصفح، وعدم المؤاخذة.
أما تاريخ التصوف فيظهر في فتوى للإمام الحافظ السيد محمد صديق الغماري رحمه الله، فقد سئل عن أول من أسس التصوف؟ وهل هوبوحيٍ سماوي؟ فأجاب: (أما أول من أسس الطريقة فلتعلم أن الطريقة أسسها الوحي السماوي في جملة ما أسس من الدين المحمدي، إذ هي بلا شك مقام الإحسان الذي هوأحد أركان الدين الثلاثة التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما بينها واحدا واحدا ديناً بقوله: هذا جبريل عليه السلام أتاكم يعلمكم دينكم، وهوالإسلام والإيمان والإحسان.فالإسلام طاعة وعبادة، والإيمان نور وعقيدة، والإحسان مقام مراقبة ومشاهدة، وأول من تسمى بالصوفي في أهل السنة أبوهاشم الصوفي المتوفي سنة 150 وكان من النساك، ويجيد الكلام، وينطق الشعر كما وصفه الحفاظ).
■ الامام العز بن عبد السلام (توفي سنة 660 هـ):
قال سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى: (قعد القوم من الصوفية على قواعد الشريعة التي لا تنهدم دنيا وأخرى، وقعد غيرهم على الرسوم، مما يدلك على ذلك ما يقع على يد القوم من الكرامات وخوارق العادات، فانه فرع عن قربات الحق لهم، ورضاه عنهم، ولوكان العلم من غير عمل يرضي الحق تعالى كل الرضى لأجرى الكرامات على أيدي أصحابهم، ولولم يعملوا بعلمهم، هيهات هيهات" المصدر:"نور التحقيق" للشيخ حامد صقر).
■ العلامة الشيخ محمد أمين الكردي:
ينبغي لكل شارع في فن أن يتصوره قبل الشروع فيه ؛ ليكون على بصيرة فيه، ولا يحصل التصور إلا بمعرفة المبادئ العشرة المذكورة..
فحدّ التصوف: هوعلم يُعرف به أحوال النفس محمودها ومذمومها، وكيفية تطهيرها من المذموم منها، وتحليتها بالاتصاف بمحمودها، وكيفية السلوك والسير إلى الله تعالى، والفرار إليه..
وموضوعه: أفعال القلب والحواس من حيث التزكية والتصفية.
وثمرته: تهذيب القلوب، ومعرفة علام الغيوب ذوقاً ووجداناً، والنجاة في الآخرة، والفوز برضا الله تعالى، ونيل السعادة الأبدية، وتنوير القلب وصفاؤه بحيث ينكشف له أمور جليلة، ويشهد أحوالاً عجيبة، ويُعاينُ ما عميت عنه بصيرة غيره.
وفضله: أنه أشرف العلوم ؛ لتعلقه بمعرفة الله تعالى وحبه، وهي أفضل على الإطلاق.
ونسبته إلى غيره من العلوم: أنه أصل لها، وشرط فيها ؛ إذ لا علم ولا عمل إلا بقصد التوجه إلى الله، فنسبته لها كالروح للجسد.
وواضعه: الله تبارك تعالى، أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله ؛ فإنه روح الشرائع والأديان المنزلة كلها..
واسمه: علم التصوف، مأخوذ من الصفاء، والصوفي: مَن صفا قلبُه من الكدر، وامتلأ من العِبَر، واستوى عنده الذهبُ والمَدَر..
واستمداده: من الكتاب والسنة والآثار الثابتة عن خواص الأمّة.
وحكم الشارع فيه: الوجوب العيني ؛ إذ لا يخلوأحد من عيب أومرض قلبي، إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام..
ومسائله: قضاياه الباحثة عن صفات القلوب، ويتبع ذلك شرح الكلمات التي تُتَداول بين القوم (كالزهد والورع والمحبة والفناء والبقاء).
■ العلامة الشريف الجرجاني في (التعريفات):
التصوف مذهب كله جد فلا يخلطونه بشيء من الهزل، وهو تصفية القلب عن مواقف البرية، ومفارقة الأخلاق الطبيعية، وإخماد صفات البشرية، ومجانبة الدعاوي النفسانية، ومنازلة الصفات الروحانية، والتعلق بعلوم الحقيقة واستعمال ما هو أولى على السرمدية، والنصح لجميع الأمة، والوفاء لله تعلى على الحقيقة، واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشريعة.
■ الدكتور أبو الوفا التفتازاني:
في كتابه (مدخل إلى التصوف الإسلامي): ليس التصوف هروبا من واقع الحياة كما يقول خصومه، وإنما هو محاولة الإنسان للتسلح بقيم روحية جديدة، تعينه على مواجهة الحياة المادية، وتحقق له التوازن النفسي حتى يواجه مصاعبها ومشكلاتها.
وفي التصوف الإسلامي من المبادئ الإيجابية ما يحقق تطور المجتمع إلى الأمام فمن ذلك أنه يؤكد على محاسبة الإنسان لنفسه باستمرار ليصحح أخطاءها ويملها بالفضائل، ويجعل فطرته إلى الحياة معتدلة، فلا يتهالك على شهواتها وينغمس في أسبابها إلى الحد الذي ينسى فيه نفسه وربه، فيشقى شقاء لا حد له. والتصوف يجعل من هذه الحياة وسيلة لا غاية، وبذلك يتحرر تماما من شهواته وأهوائه بإرادة حرة.
■ ابن خلدون (توفي 808 هـ):
وقال ابن خلدون رحمه الله تعالى في كلامه عن علم التصوف: (هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة، وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق والهداية، وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع الى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة. وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف، فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية) المصدر: مقدمة ابن خلدون.
■ الشيخ محمد أبو زهرة:
نحن في عصرنا هذا أشد الناس حاجة إلى متصوف بنظام التصوف الحقيقي وذلك لأن شبابنا قد استهوته الأهواء وسيطرت على قلبه الشهوات.. وإذا سيطرت الأهواء والشهوات على جيل من الأجيال أصبحت خطب الخطباء لا تجدي، وكتابة الكتاب لا تجدي، ومواعظ الوعاظ لا تجدي، وحكم العلماء لا تجدي، وأصبحت كل وسائل الهداية لا تجدي شيئا.
إذا لا بد لنا من طريق آخر للإصلاح، هذا الطريق أن نتجه إلى الاستيلاء على نفوس الشباب، وهذا الاستيلاء يكون بطريق الشيخ ومريديه، بحيث يكون في كل قرية وفي كل حي من أحياء المدن وفي كل بيئة علمية أو اجتماعية رجال يقفون موقف الشيخ الصوفي من مريديه.
■ الإمام أبو حنيفة :
نقل الفقيه الحنفي صاحب الدر المختار: أن أبا علي الدقاق رحمه الله تعالى قال: (أنا أخذت هذه الطريقة من أبي القاسم النصر اباذي، وقال أبوالقاسم: أنا أخذتها من الشبلي، وهومن السري السقطي، وهومن معروف الكرخي، وهومن داود الطائي، وهوأخذ العلم والطريقة من أبي حنيفة رضي الله عنه، وكل منهم أثنى عليه وأقر بفضله." ثم قال صاحب الدر معلقا: " فياعجباً لك يا أخي ! ألم يكن لك أسوة حسنة في هؤلاء السادات الكبار؟ أكانوا متهمين في هذا الإقرار والافتخار، وهم أئمة هذه الطريقة وأرباب الشريعة والطريقة؟ ومن بعدهم في هذا الأمر فلهم تبع، وكل من خالف ما اعتمدوه مردود مبتدع).
ولعلك تستغرب عندما تسمع أن الإمام الكبير، أبا حنيفة النعمان رحمه الله تعالى، يعطي الطريقة لأمثال هؤلاء الأكابر من الأولياء والصالحين من الصوفية.
يقول ابن عابدين رحمه الله تعالى، في حاشيته متحدثا عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، تعليقا على كلام صاحب الدر الآنف الذكر: (هوفارس هذا الميدان، فان مبنى علم الحقيقة على العلم والعمل وتصفية النفس، وقد وصفه بذلك عامة السلف، فقال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في حقه: إنه كان من العلم والورع والزهد وإيثار الآخرة بمحل لا يدركه أحد، ولقد ضرب بالسياط ليلي القضاء، فلم يفعل. وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى: ليس أحد أحق من أن يقتدى به من أبي حنيفة، لأنه كان إماما تقيا نقيا ورعا عالما فقيها، كشف العلم كشفا لم يكشفه أحد ببصر وفهم وفطنة وتقى. وقال الثوري لمن قال له: جئت من عند أبي حنيفة: لقد جئت من عند أعبد أهل الأرض). وقال فيه الشافعي الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة.
■ الإمام مالك (توفي 179 هـ):
يقول الإمام مالك رحمه الله تعالى: (من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن جمع بينهما فقد تحقق) المصدر: حاشية العلامة علي العدوي على شرح الامام الزرقاني على متن العزيه في الفقه المالكي. وشرح عين العلم وزين الحلم للامام ملا علي قاري.
■ الإمام الشافعي (توفي 204 هـ):
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: (صحبت الصوفية فلم استفد منهم سوى حرفين، وفي رواية سوى ثلاث كلمات: قولهم: الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك. وقولهم: نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل. وقولهم: العدم عصمة). المصدر "تأييد الحقيقة العلية" للامام جلال الدين السيوطي.
وقال الشافعي أيضا: (حبب إلي من دنياكم ثلاث: ترك التكلف، وعشرة الخلق بالتلطف، والاقتداء بطريق أهل التصوف) المصدر: "كشف الخفاء ومزيل الالباس عما اشتهر من الأحاديث عل ألسنة الناس" للامام العجلوني.
■ الإمام أحمد بن حنبل (توفي 241 هـ):
كان الإمام رحمه الله تعالى قبل مصاحبته للصوفية يقول لولده عبد الله رحمه الله تعالى: ( يا ولدي عليك بالحديث، وإياك ومجالسة هؤلاء الذين سموا أنفسهم صوفية، فانهم ربما كان أحدهم جاهلا بأحكام دينه. فلما صحب أبا حمزة البغدادي الصوفي، وعرف أحوال القوم، أصبح يقول لولده: يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم، فانهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة). المصدر: "تنوير القلوب" للعلامة الشيخ أمين الكردي.
وقال العلامة محمد السفاريني الحنبلي رحمه الله تعالى عن إبراهيم بن عبد الله القلانسي رحمه الله تعالى أن الامام أحمد رحمه الله تعالى قال عن الصوفية: (لا أعلم قوما أفضل منهم. قيل: إنهم يستمعون ويتواجدون، قال: دعوهم يفرحوا مع الله ساعة...). المصدر:"غذاء الألباب شرح منظومة الآداب"
■ الشيخ تاج الدين السبكي (توفي سنة 771 هـ):
وقال الشيخ تاج الدين عبد الوهاب السبكي رحمه الله تعالى: في كتابه "معيد النعم ومبيد النقم" تحت عنوان الصوفية: (حياهم الله وبياهم وجمعنا في الجنة نحن وإياهم. وقد تشعبت الأقوال فيهم تشعبا ناشئا عن الجهل بحقيقتهم لكثرة المتلبسين بها، بحيث قال الشيخ أبومحمد الجويني: لا يصح الوقف عليهم لأنه لا حد لهم. والصحيح صحته، وأنهم المعرضون عن الدنيا المشتغلون في أغلب الأوقات بالعبادة... ثم تحدث عن تعاريف التصوف إلى أن قال: والحاصل أنهم أهل الله وخاصته الذين ترتجى الرحمة بذكرهم، ويستنزل الغيث بدعائهم، فرضي الله عنهم وعنا بهم).
■ القاضي شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله :
قال عن التصوف: (هوعلم تعرف به أحوال تزكية النفوس وتصفية الأخلاق، وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية).
■ الامام أبي عبد الله الحارث المحاسبي (توفي سنة 243 هـ):
من كتابه "كتاب الوصايا" وهومن أمهات الكتب:
يقول الامام المحاسبي رحمه الله تعالى متحدثا عن جهاده المرير للوصول إلى الحق حتى اهتدى إلى التصوف ورجاله: (...فقيض لي الرؤوف بعباده قوما وجدت فيهم دلائل التقوى وأعلام الورع وإيثار الآخرة على الدنيا، ووجدت إرشادهم ووصاياهم موافقة لأفاعيل ائمة الهدى. . . فأصبحت راغباً في مذهبهم مقتبساً من فوائدهم قابلاً لآدابهم محباً لطاعتهم، لا أعدل بهم شيئاً، ولا أوثر عليهم أحداً، ففتح الله لي علماً اتضح لي برهانه، وأنار لي فضله، ورجوت النجاة لمن أقرَّ به أو انتحله، وأيقنت بالغوث لمن عمل به، ورأيت الاعوجاج فيمن خالفه، ورأيت الرَّيْن متراكماً على قلب من جهله وجحده، ورأيت الحجة العظمى لمن فهمه، ورأيت انتحاله والعمل بحدوده واجباً عليَّ، فاعتقدته في سريرتي، وانطويت عليه بضميري، وجعلته أساس ديني، وبنيت عليه أعمالي، وتقلَّبْت فيه بأحوالي. وسألت الله عز وجل أن يوزِعَني شكرَ ما أنعم به عليَّ، وأن يقويني على القيام بحدود ما عرَّفني به، مع معرفتي بتقصيري في ذلك، وأني لا أدرك شكره أبداً).
■ الإمام عبد القاهر البغدادي (توفي 429 هـ):
قال الإمام الكبير حجة المتكلمين عبد القاهر البغدادي رحمه الله تعالى في كتابه "الفرق بين الفرق": (الفصل الأول من فصول هذا الباب في بيان أصناف أهل السنة والجماعة. اعلموا أسعدكم الله أن أهل السنة والجماعة ثمانية أصناف من الناس:....والصنف السادس منهم: الزهاد الصوفية الذين أبصروا فأقصروا، واختبروا فاعتبروا، ورضوا بالمقدور وقنعوا بالميسور، وعلموا أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك مسئول عن الخير والشر، ومحاسب على مثاقيل الذر، فأعدوا خير الإعداد ليوم المعاد، وجرى كلامهم في طريقي العبارة والاشارة على سمت أهل الحديث دون من يشتري لهوالحديث، لا يعملون الخير رياء، ولا يتركونه حياء، دينهم التوحيد ونفي التشبيه، ومذهبهم التفويض إلى الله تعالى، والتوكل عليه والتسليم لأمره، والقناعة بما رزقوا والإعراض عن الإعتراض عليه. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذوالفضل العظيم).
■ الإمام أبي القاسم القشيري (توفي سنة 465 هـ):
قال الإمام أبوالقاسم القشيري رحمه الله تعالى في مقدمة رسالته المشهورة "الرسالة القشيرية" متحدثا عن الصوفية: (جعل الله هذه الطائفة صفوة أوليائه، وفضلهم على الكافة من عباده بعد رسله وأنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم، وجعل قلوبهم معادن أسراره، واختصهم من بين الأمة بطوالع أنواره، فهم الغياث للخلق، والدائرون في عموم أحوالهم مع الحق بالحق. صفاهم من كدورات البشرية، ورقاهم إلى محل المشاهدات بما تجلى لهم من حقائق الأحدية، ووفقهم للقيام بآداب العبودية، وأشهدهم مجاري أحكام الربوبية، فقاموا بأداء ما عليهم من واجبات التكليف، وتحققوا بما منه سبحانه لهم من التقليب والتصريف، ثم رجعوا إلى الله سبحانه وتعالى بصدق الافتقار ونعت الانكسار، ولم يتكلوا على ما حصل منهم من الأعمال أوصفا لهم من الأحوال، علما بأنه جل وعلا يفعل ما يريد، ويختار من يشاء من العبيد، لايحكم عليه خلق، ولا يتوجه عليه لمخلوق حق، ثوابه ابتداء فضل وعذابه حكم بعدل، وأمره قضاء فصل).
ويقول أيضاً في "الرسالة القشيرية": (اعلموا رحمكم الله، أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسمّ أفاضلهم في عصرهم بتسمية علم سوى صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لا أفضلية فوقها، فقد قيل "الصحابة" ولما أدرك العصر الثاني، سمي من صحب الصحابة "التابعين" ورأوا ذلك أشرف تسمية، ثم قيل لمن بعدهم "أتباع التابعين" ثم اختلفت وتباينت المراتب فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية بأمر الدين "الزهاد والعباد" ثم ظهرت البدع وحصل التداعي بين الفرق، فكل فريق ادعوا بأن منهم زهادا، فانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفسهم مع الله تعالى، الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم "التصوف" واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر بعد المائتين للهجرة).
■ الدكتور يوسف القرضاوي :
قال الشيخ يوسف القرضاوي في معرض سؤاله عن صوفية الإخوان المسلمين في أنها دعوة صوفية كما جاء في تعريف جماعة الإخوان للمؤسس الشيخ حسن البنا على موقع إسلام أون لاين على صفحة الفتاوى:
مقتطفات من إجابة الدكتور يوسف القرضاوي:
إن الإخوان المسلمين هي دعوة صوفية لأنهم يعملون على أساس التزكية وطهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظَبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحبِّ في الله، والارتباط على الخي. فهذا هوالتصوّف، وهذه هي الصوفية الحقيقية عند حسن البنا.
التصوف الحقّ عند حسن البنا يتمثّل أوّلَ ما يتمثّل في:
طهارة النفس ونقاء القلب، فتزكية النفس هي أوّل سبيلِ الفَلاح {ونَفْسٍ ومَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجورَها وتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} الشمس 7-10 والقلب هوالمُضغة التي إذا صَلُحت صَلُح الإنسان كلُّه، وإذا فسَدت فسَد الإنسان كلُّه، وسلامتُه أساس النجاة يوم القيامة {يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ ولاَ بَنونَ. إِلاّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَليمٍ} الشعراء 88-89 . فلابد من المجاهَدة لنقاء هذا القلب وصفائه وطهارته من معاصي القلوب وأخطارِها.
والمواظَبة على العمل الصالح واجب على المسلم، فإن أحبَّ الأعمال إلى الله أدوَمُها وإن قلَّ.
والإعراض عن الخلق بالإقبال على الخالق: من صفات الرَّبّانِيّين من أصحاب الرسالات {الذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالات اللهِ ويَخْشَوْنَهُ ولاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاّ اللهَ}الأحزاب39. وهم المَوصوفون في قوله تعالى {يَا أَيُّها الذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ أَذِلّةٍ عَلَى المُؤمِنينَ أَعِزّةٍ عَلَى الكَافِرينَ يُجاهِدونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ولاَ يَخافونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} المائدة: 54. فهم لإعراضهم عن الخلق، لا يخافون لومةَ لائم منهم، ولا يخشَون أحدًا إلا الله سبحانه؛ لأنهم يُوقنون أن الخلق لا يملِكون لهم ضَرًّا ولا نفعًا، ولا حياة ولا موتًا، وأن الأرزاق التي يطمع الناس فيها، والأعمار التي يخاف الناس عليها، كلتاهما بيد الله وحدَه، لا يملِك أحد أن يَنقُصهم لقمةً من رزقهم، ولا أن يقدِّم من أجَلهم لحظة أويؤخِّر {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرونَ سَاعَةً ولاَ يَسْتَقْدِمونَ} الأعراف: 34.
والحبُّ في الله: دِعامة من الدّعائم التي تقوم عليها الجماعة المؤمنة، فكما تربط بينها المفاهيم المشتركة، والفكرة الواحدة، تربط بين أبنائها العواطف المشتركة. وأعظمُ هذه العواطف وأخلدها وأعمقها هوالحبُّ في الله. فهوحبٌّ لا يقوم على عرَض من الدنيا، أومال أوجاهٍ أومُتعة، أونحوذلك، بل يقوم على الإيمان بالله تعالى، والتقرُّب إليه، والرَّغبة في نصرة الإسلام، وأوثَق عُرَى الإيمان: الحبّ في الله، والبُغض في الله.
لقد استفاد الأستاذ البَنّا من تجربته الصوفيّة، أخذ منها ما صفا، وترك ما كَدِرَ، وهوموقف كل الرجال الرَّبّانيين، كما رأينا عند شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم، فلم يكونا ضِدّ التصوف بإطلاق، كما يَتصوّر أويُصوّر بعض من يزعُم الانتساب إلى مدرستِهما، بل كانا من أهل المعرفة بالله، والحبّ له، ومن رجال التربية الإيمانيّة والسلوك الرَّبّاني، كما بدا ذلك في مجلدين من مجموع فتاوى ابن تيمية، وفي عدد من كتب ابن القيم، أعظمها: مدارج السالكين شرح منازل السائرين إلى مقامات "إيّاكَ نعبُد وإيّاك نستعين".
ومن أبرز ما يتميّز به الصوفيّة الصادِقون ثلاثة أشياء: الاستقامة، والمحبّة، وطاعة الشيخ، وهذه مقوّمات أساسيّة في التربية الإخوانيّة، والله أعلم.
ويقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي أيضاً في معرض سؤاله عن التصوف بين مادحيه وقادحيه:
التصوف لا يذم في حد ذاته، بل هومطلوب لكل مسلم إذا أريد به الاهتمام بالروح اهتماما لا يطغى ولا يضر بالجسد، وعلينا أن نزن أعمال التصوف بميزان الكتاب والسنة، فما وافقهما قبلناه وما خالفهما تركناه.
وقد جاء الإسلام بالتوازن في الحياة، يعطي كل ناحية حقها، ولكن الصوفية ظهروا في وقت غلب على المسلمين فيه الجانب الماديّ والجانب العقليّ.
الجانب الماديّ، نتج عن الترف الذي أغرق بعض الطبقات، بعد اتساع الفتوحات، وكثرة الأموال، وازدهار الحياة الاقتصادية، مما أورث غُلوًّا في الجانب المادي، مصحوبًا بغلوآخر في الجانب العقلي، أصبح الإيمان عبارة عن "فلسفة" و"علم كلام" "وجدل"، لا يشبع للإنسان نهمًا روحيًا، حتى الفقه أصبح إنما يعنى بظاهر الدين لا بباطنه، وبأعمال الجوارح. لا بأعمال القلوب وبمادة العبادات لا بروحها.
ومن هنا ظهر هؤلاء الصوفية ليسدُّوا ذلك الفراغ، الذي لم يستطع أن يشغله المتكلمون ولا أن يملأه الفقهاء، وصار لدى كثير من الناس جوع روحيّ، فلم يشبع هذا الجوع إلا الصوفية الذين عنوا بتطهير الباطن قبل الظاهر، وبعلاج أمراض النفوس، وإعطاء الأولوية لأعمال القلوب، وشغلوا أنفسهم بالتربية الروحية والأخلاقية، وصرفوا إليها جُلَّ تفكيرهم واهتمامهم ونشاطهم. حتى قال بعضهم: التصوف هوالخُلق، فمن زاد عليك في الخُلق فقد زاد عليك في التصوف. وكان أوائل الصوفية ملتزمين بالكتاب والسنة، وقَّافين عند حدود الشرع، مطارِدين للبدع والانحرافات في الفكر والسلوك.
ولقد دخل على أيدي الصوفية المتبعين كثير من الناس في الإسلام، وتاب على أيديهم أعداد لا تحصى من العصاة، وخلّفوا وراءهم ثروة من المعارف والتجارب الروحية لا ينكرها إلا مكابر، أومتعصب عليهم.
والحقيقة أن كل إنسان يؤخذ من كلامه ويترك، والحكم هوالنص المعصوم من كتاب الله ومن سنة رسوله. فنستطيع أن نأخذ من الصوفية الجوانب المشرقة، كجانب الطاعة لله. وجانب محبة الناس بعضهم بعضًا، ومعرفة عيوب النفس، ومداخل الشيطان، وعلاجها، واهتمامهم بما يرقِّق القلوب، ويذكِّر بالآخرة. نستطيع أن نعرف عن هذا الكثير عن طريق بعض الصوفية كالإمام الغزالي.
■ الإمام الشاطبي (توفي سنة 790 هـ):
ذكرت "المسلم" مجلة العشيرة المحمدية تحت عنوان: الإمام الشاطبي صوفي سلفي للسيد أبي التقى أحمد خليل: كتاب الاعتصام من الكتب التي يعتبرها المتسلفة مرجعا أساسيا لبعض آرائهم، ويرون في الشيخ أبي اسحاق الشاطبي إماما لهم، وقد عقد الإمام الشاطبي في كتابه هذا فصولا كريمة عن التصوف الإسلامي، وأثبت أنه من صميم الدين، وليس هومبتدعا، ووفى المقام هناك بما تخرس له الألسن، وتسلم له العقول والقلوب فاستمع إلى الإمام الشاطبي يقول:
(إن كثيرا من الجهال يعتقدون في الصوفية أنهم متساهلون في الاتباع والتزام ما لم يأت في الشرع التزامه مما يقولون به ويعملون عليه، وحاشاهم من ذلك أن يعتقدوه أويقولوا به. فأول شيء بنوا عليه طريقهم اتباع السنة واجتناب ما خالفها، حتى زعم مذكرهم وحافظ مأخذهم وعمود نحلتهم أبوالقاسم القشيري: إنهم إنما اختصوا باسم التصوف انفرادا به عن أهل البدع. فذكر أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسم أفاضلهم في عصرهم باسم علم سوى الصحبة، إذ لا فضيلة فوقها، ثم سمي من يليهم التابعين، ثم اختلف الناس وتباينت المراتب، فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية في الدين: الزهاد والعباد. قال: ثم ظهرت البدع وادعى كل فريق أن فيهم زهادا وعبادا، فانفرد خواص أهل السنة، المراعون أنفسهم مع الله، والحافظون قلوبهم عن الغفلة باسم التصوف، فتأمل تغنم، والله أعلم) المصدر عدد شهر ذي القعدة 1373 هـ من "المسلم" مجلة العشيرة المحمدية.
■ الشيخ محمد متولي الشعراوي:
يقول فيما يرويه لنا كتاب (أصول الوصول) للشيخ زكي إبراهيم: الصوفي يتقرب إلى الله بفروض الله، ثم يزيدها بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، من جنس ما فرض الله، وأن يكون عنده صفاء في استقبال أقضية العبادة فيكون صافيا لله، والصفاء هو كونك تصافي الله فيصافيك الله. والتصوف رياضة روحية لأنها تلزم الإنسان بمنهج تعبدي لله ما فرضه. وهذه خطوة نحو الود مع الله. وهكذا يمن الله تعالى هؤلاء المتصوفين ببعض العطاءات التي تثبت لهم أنهم على الطريق الصحيح، تلك العطاءات هي طرق ناموس ما في الكون، ويكون ذلك على حسب قدر صفاء المؤمن، فقد يعطي الله صفحة من صفحات الكون لأي إنسان، فينبئه به أو يبشره به ليجذبه إلى جهته. وعندما يدخل الصوفي في مقامات متعددة وجئنا بمن لم يتريض ولم يدخل في مقامات الود وحدثناه بها، فلا شك أنه يكذبها ولكن تكذيبها دليل حلاوتها. والمتصوف الحقيقي يعطيه الله أشياء لا تصدقها عقول الآخرين، ولذلك فعليه أن يفرح بذلك ولا يغضب من تكذيب الآخرين له.
■ الاستاذ عبد الباري الندوي:
يقول في كتابه (بين التصوف والحياة)، في عدة صفحات متفرقة من كتابه: يجب أن يعرف المسلمون أنه لا حظ لهم من الدنيا إذا لم يتمكن في أعماق نفوسهم الإيمان الخالص. ومن الظلم والجور العظيمين أن تنفق في تحصيل العلم الظاهر سنوات عديدة ولا تبذل لإصلاح الباطن عدة شهور، إن التصوف أو العلم الباطني بالغ فيه الناس مبالغة عظيمة، وصوروه تصويرا شائها، وشرحوه شرحا طبعه بطابع الضلالة إلا أنه قانون لأعمال القلب والباطن.. ونجد تفاصيل أحكام التصوف منصوصة في الكتاب والسنة مثل ما نجد أحكام الفقه تماما وتتبين أهمية أحكام التصوف وأفضليته من نصوص القرآن والحديث التي تصرح بها أو تلمح إليها.
فإن أبى شخص أن يعترف بالتصوف كعلم بعينه وفن بذاته فلم لا ينفر ويشمئز من المصطلحات الدينية الأخرى، من تفسير ومفسر، وتجويد ومجود، وكلام ومتكلم، وغيرها، أما أولئك الذين رأوا التصوف والطريقة والحقيقة والمعرفة ضدا للبشرية فهؤلاء الذين وقعوا في ضلالة أشد خطأ وأطم.
■ الفقيه ابن عابدين (توفي سنة 1252 هـ):
وتحدث خاتمة المحققين العلامة الكبير والفقيه الشهير الشيخ محمد أمين المشهور بابن عابدين رحمه الله تعالى في كتابه المسمى "مجموعة رسائل ابن عابدين" الرسالة السابعة "شفاء العليل وبل الغليل في حكم الوصية بالختمات والتهاليل" عن البدع الدخيلة على الدين مما يجري في المآتم والختمات من قبل أشخاص تزيوا بزي العلم وانتحلوا اسم الصوفية، ثم استدرك الكلام عن الصوفية الصادقين حتى لا يظن أنه يتكلم عنهم عامة فقال:
(ولا كلام لنا مع الصدق من ساداتنا الصوفية المبرئين عن كل خصلة ردية، فقد سئل إمام الطائفتين سيدنا الجنيد: إن إقواما يتواجدون ويتمايلون؟ فقال: دعوهم مع الله تعالى يفرحون، فانهم قوم قطعت الطريق أكبادهم، ومزق النصب فؤادهم، وضاقوا ذرعا، فلا حرج عليهم إذا تنفسوا مداواة لحالهم، ولوذقت مذاقهم عذرتهم في صياحهم).
■ ابن عجيبة :
(التصوف لب الإسلام، وهوعلم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك، وتصفية البواطن من الرذائل، وتحليتها بأنواع الفضائل، وأوله علم وأوسطه عمل وآخره موهبة. وأصله " أي التصوف" أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة التابعين، ومن بعدهم طريقة الحق والهداية وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد في ما يقبل عليه الجمهور من لذة مال وجاه والانفراد عن الخلق، والخلوة للعبادة، وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف، فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة، فمن هذه النصوص، يتبين لنا أن التصوف ليس أمرا مستحدثا جديدا، ولكنه مأخوذ من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحياة أصحابه الكرام، فالصحابة والتابعون وإن لم يتسموا باسم المتصوفين، كانوا صوفيين فعلا، وإن لم يكونوا كذلك اسما).
■ الشيخ ابن تيمية :
تحدث الشيخ أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى عن تمسك الصوفية بالكتاب والسنة في الجزء العاشر من مجموع فتاويه فقال: (فأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وغيرهم من المتقدمين، ومثل الشيخ عبد القادرالجيلاني والشيخ حماد والشيخ أبي البيان، وغيرهم من المتأخرين، فهم لا يسوغون للسالك ولو طار في الهواء أو مشى على الماء أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين، بل عليه أن يعمل المأمور ويدع المحظور إلى أن يموت. وهذا هوالحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف، وهذا كثير في كلامهم).
■ الشيخ رشيد رضا رحمه الله
قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله تعالى (لقد انفرد الصوفية بركن عظيم من أركان الدين، لا يطاولهم فيه مطاول، وهو التهذيب علماً وتخلقاً وتحققاً، ثم لما دونت العلوم في الملة، كتب شيوخ هذه الطائفة في الأخلاق ومحاسبة النفس..) .
مجلة المنار السنة الأولى ص726 من كتاب حقائق عن التصوف
■ الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي حفظه الله:
مقتطفات من إجاباته على أسئلة الزوار في موقعه على الإنترنت:
الصوفية تعني العمل على تصفية النفس من أخلاقها الذميمة عن طريق كثرة الذكر، وكثرة الالتجاء إلى الله بالدعاء. أما تخلص الإنسان من ارتكاب المحرمات، فذلك لا يتحقق إلا للرسل والأنبياء أما غيرهم ، فيظلون معرضين للمعاصي ، وكل بني آدام خطاء وخير الخطائين التوابون.
كلمة (التصوف) تعني العمل على تطهير النفس من الصفات المذمومة، وهذا هو لب الإسلام وجوهره، وكلمة (التصوف) ككلمة (التزكية) الواردة في القرآن كلاهما بمعنى واحد. وعلى هذا فكل مسلم صادق في إسلامه مستجيب لأوامر الله الواردة في كتابه، لابدَّ أن يكون متصوفاً أو بتعبير آخر مهتماً بتزكية نفسه.
الصوفية المنضبطة بالكتاب والسنة لبّ الإسلام وجوهره.
علماء التصوف كعلماء الشريعة، وكعلماء الأدب واللغة العربية... إلخ، فكما أن في هؤلاء العلماء من يخطئ في الفتوى وفي التعليم، بل قد تجد فيهم من يدجّل، فكذلك في علماء التصوف من أخطؤوا في فهمه أو فهم جوانب منه، بل ربما تجد فيهم دجاجلة كاذبين. إذن التصوف من حيث هو ليس خطأ والمتصوفة ليسوا مخطئين ولكن كثيراً ما يتسرب إليهم جاهلون أو دجالون.
الطُّرق الصُّوفية يحكم لها أو عليها حسب موافقتها أو مخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية التي دلَّ عليها كتاب الله وسنّة رسوله. إن هذه الطُّرق، على تنوُّعها واختلافها، لا تخرج عن كونها مناهج متعددة ومختلفة إلى تربية النفس وتطهيرها من الرُّعونات والآفات.. ولا شكَّ أن هذا الهدف مشروع ومطلوب، كيف لا ومدار الشريعة الإسلامية كلها على تزكية النفس والسُّموّ بها إلى مكارم الأخلاق. ولكن لا يكفي أن يكون الهدف وحده نبيلاً ومشروعاً، بل لا بدَّ أن تكون السُّبل إليه مشروعة أيضاً. ولا شكَّ أن كثيراً من المرشدين والقائمين على رعاية الطُّرق الصوفية، يتجاوزون حدود الشريعة الإسلامية في كثير من مناهجهم وأساليبهم التَّربوية التي يأخذون بها مريديهم، إن بقصد أو دون قصد.. هذه الطرق تصبح باطلة غير مشروعة في هذه الحال، مهما قيل عن أهدافها المشروعة والنبيلة، بل كُن على يقين أن الهدف المشروع في ميزان الإسلام لا يتحقق إلاّ من خلال التَّمسُّك بميزان الإسلام ذاته.
ما نقل عن الجنيد البغدادي والشبلي مما ذكرت (في سؤالك) كذب عليهما. وقد كان كل منهما مضرب المثل في التمسك بالكتاب والسنة والتحذير من أفكار وحدة الوجود.
كما قال في كتابه (هذا والدي): كان أبي رحمه الله يجزم بأن التصوف النقي هو جوهر الإسلام ولبابه وكان يؤكد أن المسلم إذا لم يكن قد تشرب حقيقة التصوف فقد حبس نفسه في معاني الإسلام ولم يرق صعدا إلى حقيقة الإيمان.
وقال أيضاً : التصوف الحقيقي لا يمكن إلا أن يكون مأخوذا من كتاب الله وسنة رسوله، ذلك لأن السعي إلى الوصول إلى ثمرات الإيمان بالله في القلب واجب، رسمه القرآن وأكدته السنة، ولم يكن رحمه الله يقيم وزنا لتصوف لم ينهض على أساس من العلم السليم بكتاب الله وسنة رسوله، وكان يرى أن صدق الانفعال بثمرات الإيمان التي هي حقيقة التصوف ولبه لا يأتي إلا من سعة العلم بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليهم وسلم وبالشرائع والأحكام التي خاطب الله بها عباده.
وقال حفظه الله أيضا في كتاب (السلفية): التصوف بمعناه الحقيقي السليم هو لب الإسلام، وجوهره الكامن في أعماق فؤاد الإنسان المسلم وبدونه يغدو الإسلام مجرد رسوم ومظاهر وشعارات، يجامل بها الناس بعضهم بعضا وهذا اللباب يتمثل في الرغبة والرهبة إذ تهيمن على قلب المسلم حبا له ومخافة منه فيتطهر فؤاده من أدران الضغائن والأحقا وحب الدنيا. ولا توقفنك إزاء هذه الحقيقة مشكلة الاسم، فلقد كان التحلي بهذا اللباب في صدر الإسلام مسمى لا اسم له إلا الإسلام، ثم سمي فيما بعد بـالتصوف. (بتصرف)
■ الاستاذ عباس محمود العقاد:
يقول في كتابه (الفلسفة القرآنية): التصوف في الحقيقة غير دخيل في العقيدة الإسلامية كما قلنا في كتابنا عن أثر العرب في الحضارة الأوروبية، ومثبوت في آيات القرآن الكريم، مستكن بأصوله، في عقائد صريحة.
■ الدكتور عبد الحليم محمود (شيخ الأزهر سابقا):
يقول في كتابه (قضية التصوف): التصوف لا يعدو أن يكون جهادا عنيفا ضد الرغبات ليصل الإنسان إلى السمو أو إلى الكمال الروحي، ليكون عارفا بالله، وإن الذين يربطون بين التصوف من جانب أو الكرامات وخوارق العادات من جانب آخر كثيرون، ولكن التصوف ليس كرامات ولا خوارق للعادات.
■ أبو الأعلى المودودي:
قال العلامة الكبير الاستاذ أبو الأعلى المودودي في كتابه مبادئ الإسلام تحت عنوان التصوف: إن علاقة الفقه إنما هي بظاهر الإنسان فقط، ولا ينظر إلا هل قمت بما أمرت به على الوجه المطلوب أم لا؟ فإن قمت فلا تهمه حال قلبك وكيفيته، أما الشيء الذي يتعلق بالقلب ويبحث عن كيفيته فهو التصوف.
إن الفقه لا ينظر في صلاتك مثلا إلا هل أتممت وضوءك على الوجه الصحيح أم لا؟ وهل صليت موليا وجهك شطر المسجد الحرام أم لا؟ وهل أديت أركان الصلاة كلها أم لا؟ وهل قرأت في صلاتك بكل ما يجب أن تقرأ فيها أم لا؟ فإن قمت بكل ذلك فقد صحت صلاتك بحكم الفقه، إلا أن الذي يهم التصوف هو ما يكون عليه قلبك حين أدائك هذه الصلاة من الحالة، هل أنبت فيها إلى ربك أم لا؟ وهل تجرد قلبك فيها عن هموم الدنيا وشؤونها أم لا؟ وهل أنشأت فيك هذه الصلاة خشية الله واليقين بكونه خبيرا بصيرا، وعاطفة ابتغاء وجهه الأعلى وحده أم لا؟ وإلى أي حد نزهت هذه الصلاة روحه؟ وإلى أي حد جعلته مؤمنا صادقا عاملا بمقتضيات إيمانه؟ فعلى قدر ما تحصل له هذه الأمور وهي من غايات الصلاة وأغراضها الحقيقية في صلاته تكون صلاته كاملة في نظر التصوف، وعلى قدر ما ينقصها الكمال من هذه الوجهة تكون ناقصة في نظر التصوف. فهكذا لا يهم الفقه في سائر الأحكام الشرعية إلا هل أدى المرء الأعمال على الوجه الذي أمره به لأدائها أم لا. أما التصوف فيبحث عما كان في قلبه من الإخلاص وصفاء النية وصدق الطاعة عند قيامه بهذه الأعمال، ويمكنك أن تدرك هذا الفرق بين الفقه والتصوف بمثل أضربه لك:
إنك إذا أتاك رجل نظرت فيه من وجهتين، إحداهما: هل هو صحيح البدن كامل الأعضاء؟ أم في بدنه شيء من العرج أو العمى؟ وهل هو جميل الوجه أو ذميمه؟ وهل هو لابس زسا فاخرا أو ثيابا بالية.
والوجهة الأخرى: إنك تريد أن تعرف أخلاقه، وعاداته، وخصاله، ومبلغه من العلم والعقل ولاصلاح. فالوجهة الأولى وجهة الفقه، والوجهة الثانية وجهة التصوف، وكذلك إذا أردت أن تتخذ أحدا صديقا لك، فإنك تتأمل في شخصيته من كلا الوجهتين، وتحب أن يكون جميل المنظر وجميل الباطن معا، كذلك لا تجعل في عين الإسلام إلا الحياة التي فيها اتباع كامل صحيح لأحكام الشريعة من الوجهتين الظاهرة والباطنة.
ثم قال: إنما التصوف عبارة في حقيقة الأمر عن حب الله ورسوله الصادق، بل الولوع بهما والتفاني في سبيلهما، والذي يقتضيه هذا الولوع والتفاني ألا ينحرف المسلم قيد شعرة عن اتباع أحكام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فليس التصوف الإسلامي الخالص بشيء مستقل عن الشريعة، وإنما هو القيام بغاية من الإخلاص وصفاء النية وطهارة القلب.
■ جلال الدين السيوطي رحمه الله:
قال العلامة المشهور جلال الدين السيوطي رحمه اله تعالى في كتابه (تأييد الحقيقة العلية): إن التصوف في نفسه علم شريف، وإن مداره على اتباع السنة وترك البدع، والتبري من النفس وعوائدها وحظوظها وأغراضها ومراداتها واختياراتها والتسليم لله والرضى به وبقضائه، وطلب محبته واحتقار ما سواه.. وعلمت أيضا أنه قد كثر فيه الدخيل من قوم تشبهوا بأهله وليسوا منهم، فأدخلوا فيه ما ليس منه، فأدى ذلك إلى إساءة الظن بالجميع، فوجه أهل العلم للتمييز بين الصنفين ليعلم أهل الحق من أهل الباطل، وقد تأملت الأمور التي أنكرها أئمة الشرع على الصوفية فلم أر صوفيا محققا يقول بشيء منها، وإنما يقول بها أهل البدع والغلاة الذين ادعوا أنهم صوفية وليسوا منهم.
■ الشيخ حسني حسن الشريف حفظه الله :
التصوف عندنا تزكية للقلب، لحفظ لطيفته، كحفظ الطب للأبدان، حتى يبقى القلب دائما محلاً طاهراً لنظر الله عز وجل.
وجملة القول أن أهل هذا الطريق أشهر وأسمى من أن يُحتاج في التعرف عليهم إلى لفظ مشتق أو قياس على هذا اللفظ، فالسالك لا يهمه الاسم الذي يطلق عليه مهما كان، طالما أنه مع الله والى الله في عمله وقصده، وإنما همه ومبتغاه هو أن يكون مع خالقه بلا غرض ولا مطلب ولا تحقيق شهوة دنيوية؛ اللهم إلا علاقة الشكر الدائم الذي لا ينقطع، والشعور بالقصور، والشعور بالقرب بعد كدورة البعد {اعْمَلُوا ءَالَ دَاوُدَ شُكْرًا} (13 سبأ).
وسواء سمي السالك صوفياً، أو أي اسم آخر، فهذا ليس بالأمر المهم، فنحن لا نهتم بالألفاظ والمسميات بقدر ما نهتم بالحقائق والمبادئ، فإذا ذكر أمامنا لفظ الصوفي أو التصوف، تبادرت إلى أذهاننا معاني تزكية النفوس، وصفاء القلوب، والسعي حثيثاً لإصلاحها، وصولاً إلى مرتبة الإحسان التي هي مقام كل العارفين الربانيين، الذين تحققوا من معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير الإحسان (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك). فهذه الحقائق سميت في القرن الثاني للهجرة تصوفاً، ولنا أن نسميه الآن: «الجانب الروحي في الإسلام» أو «أخلاق الإسلام» أو «التحقق من معاني الإحسان» أو أي اسم يتفق مع معاني شريعتنا الغراء وما جاء به الكتاب والسنة، وهما مصدر التصوف وحقيقته.
أما إنكار بعض الناس على هذا اللفظ (التصوف) بأنه لم يُسمع في عهد الصحابة والتابعين فهو مردود جملةً وتفصيلاً، لأن معظم الاصطلاحات أُحدثت بعد زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، واستعملها جيل الصحابة والتابعين، ولم تُنكر من كبار الصحابة وأئمة التابعين، كألفاظ التابعين، وتابعي التابعين، وأمير المؤمنين، وألفاظ النحو والفقه والمنطق وعلوم الإدارة و الدواوين وعلوم القرآن والتفاسير وعلوم الحديث والجرح والتعديل، كل هذه الاصطلاحات لم تكن تستعمل زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعملت فيما بعد ولم تنكر. من كتاب الدلالة النورانية .
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في رسالته "مقاصد الإمام النووي في التوحيد والعبادة وأصول التصوف": (أصول طريق التصوف خمسة:
1. تقوى الله في السر والعلانية
2. اتباع السنة في الأقوال والأفعال
3. الإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار
4. الرضى عن الله في القليل والكثير
5. الرجوع إلى الله في السراء والضراء)
■ الإمام أبوحامد الغزالي (توفي سنة 505 هـ):
وها هوذا حجة الاسلام الامام أبوحامد الغزالي رحمه الله تعالى يتحدث في كتابه "المنقذ من الضلال" عن الصوفية وعن سلوكهم وطريقتهم الحقة الموصلة إلى الله تعالى فيقول:
(ولقد علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرتهم أحسن السيرة وطريقتهم أصوب الطرق وأخلاقهم أزكى الأخلاق...ثم يقول ردا على من أنكر على الصوفية وتهجم عليهم: وبالجملة فماذا يقول القائلون في طريقة طهارتها- وهي أول شروطها- تطهير القلب بالكلية عما سوى الله تعالى، ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلاة استغراق القلب بالكلية بذكر الله، وآخرها الفناء بالكلية في الله).
ويقول أيضاً بعد أن اختبر طريق التصوف ولمس نتائجه وذاق ثمراته: (الدخول مع الصوفية فرض عين، إلا يخلوأحد من عيب إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام).
■ الإمام فخر الدين الرازي (توفي سنة 606 هـ):
قال العلامة الكبير والمفسر الشهير الامام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى في كتابه (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين": "الباب الثامن في أحوال الصوفية: اعلم أن أكثر من حصر فرق الأمة لم يذكر الصوفية وذلك خطأ، لأن حاصل قول الصوفية أن الطريق إلى معرفة الله تعالى هوالتصفية والتجرد من العلائق البدنية، وهذا طريق حسن.. وقال أيضا: والمتصوفة قوم يشتغلون بالفكر وتجرد النفس عن العلائق الجسمانية، ويجتهدون ألا يخلوسرهم وبالهم عن ذكر الله تعالى في سائر تصرفاتهم وأعمالهم، منطبعون على كمال الأدب مع الله عز وجل، وهؤلاء هم خير فرق الآدميين
■ أبوالفضل عبد الله الصّدّيق الغماري
إن التصوف كبير قدره، جليل خطره، عظيم وقعه، عميق نفعه، أنواره لامعة، وأثماره يانعة، واديه قريع خصيب، وناديه يندولقاصديه من كل خير بنصيب، يزكي النفس من الدنس، ويطهر الأنفاس من الأرجاس، ويرقي الأرواح إلى مراقي الفلاح، ويوصل الإنسان إلى مرضاة الرحمن. وهو إلى جانب هذا ركن من أركان الدين، وجزء متمم لمقامات اليقين.
خلاصته: تسليم الأمور كلها لله، والالتجاء في كل الشؤون إليه. مع الرضا بالمقدور، من غير إهمال في واجب ولا مقاربة المحظور. كثرة أقوال العلماء في تعريفه، واختلفت أنظارهم في تحديده وتوصيفه، وذلك دليل على شرف اسمه ومسماه، ينبئ عن سموغايته ومرماه.. وإنما عبر كل قائل بحسب مدركه ومشربه. وعلى نحواختلافهم في التصوف اختلفوا في معنى الصوفي واشتقاقه.
ثم: إن التصوف مبني على الكتاب والسنة، لا يخرج عنهما قيد أنملة.
والحاصل: أنهم أهل الله وخاصته، الذين ترتجى الرحمة بذكرهم، ويستنزل الغيث بدعائهم، فرضي الله عنهم وعنا بهم.
ومن أوصاف هذه الطائفة: الرأفة، والرحمة، والعفو، والصفح، وعدم المؤاخذة.
أما تاريخ التصوف فيظهر في فتوى للإمام الحافظ السيد محمد صديق الغماري رحمه الله، فقد سئل عن أول من أسس التصوف؟ وهل هوبوحيٍ سماوي؟ فأجاب: (أما أول من أسس الطريقة فلتعلم أن الطريقة أسسها الوحي السماوي في جملة ما أسس من الدين المحمدي، إذ هي بلا شك مقام الإحسان الذي هوأحد أركان الدين الثلاثة التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما بينها واحدا واحدا ديناً بقوله: هذا جبريل عليه السلام أتاكم يعلمكم دينكم، وهوالإسلام والإيمان والإحسان.فالإسلام طاعة وعبادة، والإيمان نور وعقيدة، والإحسان مقام مراقبة ومشاهدة، وأول من تسمى بالصوفي في أهل السنة أبوهاشم الصوفي المتوفي سنة 150 وكان من النساك، ويجيد الكلام، وينطق الشعر كما وصفه الحفاظ).
■ الامام العز بن عبد السلام (توفي سنة 660 هـ):
قال سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى: (قعد القوم من الصوفية على قواعد الشريعة التي لا تنهدم دنيا وأخرى، وقعد غيرهم على الرسوم، مما يدلك على ذلك ما يقع على يد القوم من الكرامات وخوارق العادات، فانه فرع عن قربات الحق لهم، ورضاه عنهم، ولوكان العلم من غير عمل يرضي الحق تعالى كل الرضى لأجرى الكرامات على أيدي أصحابهم، ولولم يعملوا بعلمهم، هيهات هيهات" المصدر:"نور التحقيق" للشيخ حامد صقر).
■ العلامة الشيخ محمد أمين الكردي:
ينبغي لكل شارع في فن أن يتصوره قبل الشروع فيه ؛ ليكون على بصيرة فيه، ولا يحصل التصور إلا بمعرفة المبادئ العشرة المذكورة..
فحدّ التصوف: هوعلم يُعرف به أحوال النفس محمودها ومذمومها، وكيفية تطهيرها من المذموم منها، وتحليتها بالاتصاف بمحمودها، وكيفية السلوك والسير إلى الله تعالى، والفرار إليه..
وموضوعه: أفعال القلب والحواس من حيث التزكية والتصفية.
وثمرته: تهذيب القلوب، ومعرفة علام الغيوب ذوقاً ووجداناً، والنجاة في الآخرة، والفوز برضا الله تعالى، ونيل السعادة الأبدية، وتنوير القلب وصفاؤه بحيث ينكشف له أمور جليلة، ويشهد أحوالاً عجيبة، ويُعاينُ ما عميت عنه بصيرة غيره.
وفضله: أنه أشرف العلوم ؛ لتعلقه بمعرفة الله تعالى وحبه، وهي أفضل على الإطلاق.
ونسبته إلى غيره من العلوم: أنه أصل لها، وشرط فيها ؛ إذ لا علم ولا عمل إلا بقصد التوجه إلى الله، فنسبته لها كالروح للجسد.
وواضعه: الله تبارك تعالى، أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله ؛ فإنه روح الشرائع والأديان المنزلة كلها..
واسمه: علم التصوف، مأخوذ من الصفاء، والصوفي: مَن صفا قلبُه من الكدر، وامتلأ من العِبَر، واستوى عنده الذهبُ والمَدَر..
واستمداده: من الكتاب والسنة والآثار الثابتة عن خواص الأمّة.
وحكم الشارع فيه: الوجوب العيني ؛ إذ لا يخلوأحد من عيب أومرض قلبي، إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام..
ومسائله: قضاياه الباحثة عن صفات القلوب، ويتبع ذلك شرح الكلمات التي تُتَداول بين القوم (كالزهد والورع والمحبة والفناء والبقاء).
■ العلامة الشريف الجرجاني في (التعريفات):
التصوف مذهب كله جد فلا يخلطونه بشيء من الهزل، وهو تصفية القلب عن مواقف البرية، ومفارقة الأخلاق الطبيعية، وإخماد صفات البشرية، ومجانبة الدعاوي النفسانية، ومنازلة الصفات الروحانية، والتعلق بعلوم الحقيقة واستعمال ما هو أولى على السرمدية، والنصح لجميع الأمة، والوفاء لله تعلى على الحقيقة، واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشريعة.
■ الدكتور أبو الوفا التفتازاني:
في كتابه (مدخل إلى التصوف الإسلامي): ليس التصوف هروبا من واقع الحياة كما يقول خصومه، وإنما هو محاولة الإنسان للتسلح بقيم روحية جديدة، تعينه على مواجهة الحياة المادية، وتحقق له التوازن النفسي حتى يواجه مصاعبها ومشكلاتها.
وفي التصوف الإسلامي من المبادئ الإيجابية ما يحقق تطور المجتمع إلى الأمام فمن ذلك أنه يؤكد على محاسبة الإنسان لنفسه باستمرار ليصحح أخطاءها ويملها بالفضائل، ويجعل فطرته إلى الحياة معتدلة، فلا يتهالك على شهواتها وينغمس في أسبابها إلى الحد الذي ينسى فيه نفسه وربه، فيشقى شقاء لا حد له. والتصوف يجعل من هذه الحياة وسيلة لا غاية، وبذلك يتحرر تماما من شهواته وأهوائه بإرادة حرة.
■ ابن خلدون (توفي 808 هـ):
وقال ابن خلدون رحمه الله تعالى في كلامه عن علم التصوف: (هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة، وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق والهداية، وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع الى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة. وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف، فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية) المصدر: مقدمة ابن خلدون.
■ الشيخ محمد أبو زهرة:
نحن في عصرنا هذا أشد الناس حاجة إلى متصوف بنظام التصوف الحقيقي وذلك لأن شبابنا قد استهوته الأهواء وسيطرت على قلبه الشهوات.. وإذا سيطرت الأهواء والشهوات على جيل من الأجيال أصبحت خطب الخطباء لا تجدي، وكتابة الكتاب لا تجدي، ومواعظ الوعاظ لا تجدي، وحكم العلماء لا تجدي، وأصبحت كل وسائل الهداية لا تجدي شيئا.
إذا لا بد لنا من طريق آخر للإصلاح، هذا الطريق أن نتجه إلى الاستيلاء على نفوس الشباب، وهذا الاستيلاء يكون بطريق الشيخ ومريديه، بحيث يكون في كل قرية وفي كل حي من أحياء المدن وفي كل بيئة علمية أو اجتماعية رجال يقفون موقف الشيخ الصوفي من مريديه.
■ الإمام أبو حنيفة :
نقل الفقيه الحنفي صاحب الدر المختار: أن أبا علي الدقاق رحمه الله تعالى قال: (أنا أخذت هذه الطريقة من أبي القاسم النصر اباذي، وقال أبوالقاسم: أنا أخذتها من الشبلي، وهومن السري السقطي، وهومن معروف الكرخي، وهومن داود الطائي، وهوأخذ العلم والطريقة من أبي حنيفة رضي الله عنه، وكل منهم أثنى عليه وأقر بفضله." ثم قال صاحب الدر معلقا: " فياعجباً لك يا أخي ! ألم يكن لك أسوة حسنة في هؤلاء السادات الكبار؟ أكانوا متهمين في هذا الإقرار والافتخار، وهم أئمة هذه الطريقة وأرباب الشريعة والطريقة؟ ومن بعدهم في هذا الأمر فلهم تبع، وكل من خالف ما اعتمدوه مردود مبتدع).
ولعلك تستغرب عندما تسمع أن الإمام الكبير، أبا حنيفة النعمان رحمه الله تعالى، يعطي الطريقة لأمثال هؤلاء الأكابر من الأولياء والصالحين من الصوفية.
يقول ابن عابدين رحمه الله تعالى، في حاشيته متحدثا عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، تعليقا على كلام صاحب الدر الآنف الذكر: (هوفارس هذا الميدان، فان مبنى علم الحقيقة على العلم والعمل وتصفية النفس، وقد وصفه بذلك عامة السلف، فقال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في حقه: إنه كان من العلم والورع والزهد وإيثار الآخرة بمحل لا يدركه أحد، ولقد ضرب بالسياط ليلي القضاء، فلم يفعل. وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى: ليس أحد أحق من أن يقتدى به من أبي حنيفة، لأنه كان إماما تقيا نقيا ورعا عالما فقيها، كشف العلم كشفا لم يكشفه أحد ببصر وفهم وفطنة وتقى. وقال الثوري لمن قال له: جئت من عند أبي حنيفة: لقد جئت من عند أعبد أهل الأرض). وقال فيه الشافعي الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة.
■ الإمام مالك (توفي 179 هـ):
يقول الإمام مالك رحمه الله تعالى: (من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن جمع بينهما فقد تحقق) المصدر: حاشية العلامة علي العدوي على شرح الامام الزرقاني على متن العزيه في الفقه المالكي. وشرح عين العلم وزين الحلم للامام ملا علي قاري.
■ الإمام الشافعي (توفي 204 هـ):
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: (صحبت الصوفية فلم استفد منهم سوى حرفين، وفي رواية سوى ثلاث كلمات: قولهم: الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك. وقولهم: نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل. وقولهم: العدم عصمة). المصدر "تأييد الحقيقة العلية" للامام جلال الدين السيوطي.
وقال الشافعي أيضا: (حبب إلي من دنياكم ثلاث: ترك التكلف، وعشرة الخلق بالتلطف، والاقتداء بطريق أهل التصوف) المصدر: "كشف الخفاء ومزيل الالباس عما اشتهر من الأحاديث عل ألسنة الناس" للامام العجلوني.
■ الإمام أحمد بن حنبل (توفي 241 هـ):
كان الإمام رحمه الله تعالى قبل مصاحبته للصوفية يقول لولده عبد الله رحمه الله تعالى: ( يا ولدي عليك بالحديث، وإياك ومجالسة هؤلاء الذين سموا أنفسهم صوفية، فانهم ربما كان أحدهم جاهلا بأحكام دينه. فلما صحب أبا حمزة البغدادي الصوفي، وعرف أحوال القوم، أصبح يقول لولده: يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم، فانهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة). المصدر: "تنوير القلوب" للعلامة الشيخ أمين الكردي.
وقال العلامة محمد السفاريني الحنبلي رحمه الله تعالى عن إبراهيم بن عبد الله القلانسي رحمه الله تعالى أن الامام أحمد رحمه الله تعالى قال عن الصوفية: (لا أعلم قوما أفضل منهم. قيل: إنهم يستمعون ويتواجدون، قال: دعوهم يفرحوا مع الله ساعة...). المصدر:"غذاء الألباب شرح منظومة الآداب"
■ الشيخ تاج الدين السبكي (توفي سنة 771 هـ):
وقال الشيخ تاج الدين عبد الوهاب السبكي رحمه الله تعالى: في كتابه "معيد النعم ومبيد النقم" تحت عنوان الصوفية: (حياهم الله وبياهم وجمعنا في الجنة نحن وإياهم. وقد تشعبت الأقوال فيهم تشعبا ناشئا عن الجهل بحقيقتهم لكثرة المتلبسين بها، بحيث قال الشيخ أبومحمد الجويني: لا يصح الوقف عليهم لأنه لا حد لهم. والصحيح صحته، وأنهم المعرضون عن الدنيا المشتغلون في أغلب الأوقات بالعبادة... ثم تحدث عن تعاريف التصوف إلى أن قال: والحاصل أنهم أهل الله وخاصته الذين ترتجى الرحمة بذكرهم، ويستنزل الغيث بدعائهم، فرضي الله عنهم وعنا بهم).
■ القاضي شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله :
قال عن التصوف: (هوعلم تعرف به أحوال تزكية النفوس وتصفية الأخلاق، وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية).
■ الامام أبي عبد الله الحارث المحاسبي (توفي سنة 243 هـ):
من كتابه "كتاب الوصايا" وهومن أمهات الكتب:
يقول الامام المحاسبي رحمه الله تعالى متحدثا عن جهاده المرير للوصول إلى الحق حتى اهتدى إلى التصوف ورجاله: (...فقيض لي الرؤوف بعباده قوما وجدت فيهم دلائل التقوى وأعلام الورع وإيثار الآخرة على الدنيا، ووجدت إرشادهم ووصاياهم موافقة لأفاعيل ائمة الهدى. . . فأصبحت راغباً في مذهبهم مقتبساً من فوائدهم قابلاً لآدابهم محباً لطاعتهم، لا أعدل بهم شيئاً، ولا أوثر عليهم أحداً، ففتح الله لي علماً اتضح لي برهانه، وأنار لي فضله، ورجوت النجاة لمن أقرَّ به أو انتحله، وأيقنت بالغوث لمن عمل به، ورأيت الاعوجاج فيمن خالفه، ورأيت الرَّيْن متراكماً على قلب من جهله وجحده، ورأيت الحجة العظمى لمن فهمه، ورأيت انتحاله والعمل بحدوده واجباً عليَّ، فاعتقدته في سريرتي، وانطويت عليه بضميري، وجعلته أساس ديني، وبنيت عليه أعمالي، وتقلَّبْت فيه بأحوالي. وسألت الله عز وجل أن يوزِعَني شكرَ ما أنعم به عليَّ، وأن يقويني على القيام بحدود ما عرَّفني به، مع معرفتي بتقصيري في ذلك، وأني لا أدرك شكره أبداً).
■ الإمام عبد القاهر البغدادي (توفي 429 هـ):
قال الإمام الكبير حجة المتكلمين عبد القاهر البغدادي رحمه الله تعالى في كتابه "الفرق بين الفرق": (الفصل الأول من فصول هذا الباب في بيان أصناف أهل السنة والجماعة. اعلموا أسعدكم الله أن أهل السنة والجماعة ثمانية أصناف من الناس:....والصنف السادس منهم: الزهاد الصوفية الذين أبصروا فأقصروا، واختبروا فاعتبروا، ورضوا بالمقدور وقنعوا بالميسور، وعلموا أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك مسئول عن الخير والشر، ومحاسب على مثاقيل الذر، فأعدوا خير الإعداد ليوم المعاد، وجرى كلامهم في طريقي العبارة والاشارة على سمت أهل الحديث دون من يشتري لهوالحديث، لا يعملون الخير رياء، ولا يتركونه حياء، دينهم التوحيد ونفي التشبيه، ومذهبهم التفويض إلى الله تعالى، والتوكل عليه والتسليم لأمره، والقناعة بما رزقوا والإعراض عن الإعتراض عليه. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذوالفضل العظيم).
■ الإمام أبي القاسم القشيري (توفي سنة 465 هـ):
قال الإمام أبوالقاسم القشيري رحمه الله تعالى في مقدمة رسالته المشهورة "الرسالة القشيرية" متحدثا عن الصوفية: (جعل الله هذه الطائفة صفوة أوليائه، وفضلهم على الكافة من عباده بعد رسله وأنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم، وجعل قلوبهم معادن أسراره، واختصهم من بين الأمة بطوالع أنواره، فهم الغياث للخلق، والدائرون في عموم أحوالهم مع الحق بالحق. صفاهم من كدورات البشرية، ورقاهم إلى محل المشاهدات بما تجلى لهم من حقائق الأحدية، ووفقهم للقيام بآداب العبودية، وأشهدهم مجاري أحكام الربوبية، فقاموا بأداء ما عليهم من واجبات التكليف، وتحققوا بما منه سبحانه لهم من التقليب والتصريف، ثم رجعوا إلى الله سبحانه وتعالى بصدق الافتقار ونعت الانكسار، ولم يتكلوا على ما حصل منهم من الأعمال أوصفا لهم من الأحوال، علما بأنه جل وعلا يفعل ما يريد، ويختار من يشاء من العبيد، لايحكم عليه خلق، ولا يتوجه عليه لمخلوق حق، ثوابه ابتداء فضل وعذابه حكم بعدل، وأمره قضاء فصل).
ويقول أيضاً في "الرسالة القشيرية": (اعلموا رحمكم الله، أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسمّ أفاضلهم في عصرهم بتسمية علم سوى صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لا أفضلية فوقها، فقد قيل "الصحابة" ولما أدرك العصر الثاني، سمي من صحب الصحابة "التابعين" ورأوا ذلك أشرف تسمية، ثم قيل لمن بعدهم "أتباع التابعين" ثم اختلفت وتباينت المراتب فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية بأمر الدين "الزهاد والعباد" ثم ظهرت البدع وحصل التداعي بين الفرق، فكل فريق ادعوا بأن منهم زهادا، فانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفسهم مع الله تعالى، الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم "التصوف" واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر بعد المائتين للهجرة).
■ الدكتور يوسف القرضاوي :
قال الشيخ يوسف القرضاوي في معرض سؤاله عن صوفية الإخوان المسلمين في أنها دعوة صوفية كما جاء في تعريف جماعة الإخوان للمؤسس الشيخ حسن البنا على موقع إسلام أون لاين على صفحة الفتاوى:
مقتطفات من إجابة الدكتور يوسف القرضاوي:
إن الإخوان المسلمين هي دعوة صوفية لأنهم يعملون على أساس التزكية وطهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظَبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحبِّ في الله، والارتباط على الخي. فهذا هوالتصوّف، وهذه هي الصوفية الحقيقية عند حسن البنا.
التصوف الحقّ عند حسن البنا يتمثّل أوّلَ ما يتمثّل في:
طهارة النفس ونقاء القلب، فتزكية النفس هي أوّل سبيلِ الفَلاح {ونَفْسٍ ومَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجورَها وتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} الشمس 7-10 والقلب هوالمُضغة التي إذا صَلُحت صَلُح الإنسان كلُّه، وإذا فسَدت فسَد الإنسان كلُّه، وسلامتُه أساس النجاة يوم القيامة {يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ ولاَ بَنونَ. إِلاّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَليمٍ} الشعراء 88-89 . فلابد من المجاهَدة لنقاء هذا القلب وصفائه وطهارته من معاصي القلوب وأخطارِها.
والمواظَبة على العمل الصالح واجب على المسلم، فإن أحبَّ الأعمال إلى الله أدوَمُها وإن قلَّ.
والإعراض عن الخلق بالإقبال على الخالق: من صفات الرَّبّانِيّين من أصحاب الرسالات {الذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالات اللهِ ويَخْشَوْنَهُ ولاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاّ اللهَ}الأحزاب39. وهم المَوصوفون في قوله تعالى {يَا أَيُّها الذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ أَذِلّةٍ عَلَى المُؤمِنينَ أَعِزّةٍ عَلَى الكَافِرينَ يُجاهِدونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ولاَ يَخافونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} المائدة: 54. فهم لإعراضهم عن الخلق، لا يخافون لومةَ لائم منهم، ولا يخشَون أحدًا إلا الله سبحانه؛ لأنهم يُوقنون أن الخلق لا يملِكون لهم ضَرًّا ولا نفعًا، ولا حياة ولا موتًا، وأن الأرزاق التي يطمع الناس فيها، والأعمار التي يخاف الناس عليها، كلتاهما بيد الله وحدَه، لا يملِك أحد أن يَنقُصهم لقمةً من رزقهم، ولا أن يقدِّم من أجَلهم لحظة أويؤخِّر {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرونَ سَاعَةً ولاَ يَسْتَقْدِمونَ} الأعراف: 34.
والحبُّ في الله: دِعامة من الدّعائم التي تقوم عليها الجماعة المؤمنة، فكما تربط بينها المفاهيم المشتركة، والفكرة الواحدة، تربط بين أبنائها العواطف المشتركة. وأعظمُ هذه العواطف وأخلدها وأعمقها هوالحبُّ في الله. فهوحبٌّ لا يقوم على عرَض من الدنيا، أومال أوجاهٍ أومُتعة، أونحوذلك، بل يقوم على الإيمان بالله تعالى، والتقرُّب إليه، والرَّغبة في نصرة الإسلام، وأوثَق عُرَى الإيمان: الحبّ في الله، والبُغض في الله.
لقد استفاد الأستاذ البَنّا من تجربته الصوفيّة، أخذ منها ما صفا، وترك ما كَدِرَ، وهوموقف كل الرجال الرَّبّانيين، كما رأينا عند شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم، فلم يكونا ضِدّ التصوف بإطلاق، كما يَتصوّر أويُصوّر بعض من يزعُم الانتساب إلى مدرستِهما، بل كانا من أهل المعرفة بالله، والحبّ له، ومن رجال التربية الإيمانيّة والسلوك الرَّبّاني، كما بدا ذلك في مجلدين من مجموع فتاوى ابن تيمية، وفي عدد من كتب ابن القيم، أعظمها: مدارج السالكين شرح منازل السائرين إلى مقامات "إيّاكَ نعبُد وإيّاك نستعين".
ومن أبرز ما يتميّز به الصوفيّة الصادِقون ثلاثة أشياء: الاستقامة، والمحبّة، وطاعة الشيخ، وهذه مقوّمات أساسيّة في التربية الإخوانيّة، والله أعلم.
ويقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي أيضاً في معرض سؤاله عن التصوف بين مادحيه وقادحيه:
التصوف لا يذم في حد ذاته، بل هومطلوب لكل مسلم إذا أريد به الاهتمام بالروح اهتماما لا يطغى ولا يضر بالجسد، وعلينا أن نزن أعمال التصوف بميزان الكتاب والسنة، فما وافقهما قبلناه وما خالفهما تركناه.
وقد جاء الإسلام بالتوازن في الحياة، يعطي كل ناحية حقها، ولكن الصوفية ظهروا في وقت غلب على المسلمين فيه الجانب الماديّ والجانب العقليّ.
الجانب الماديّ، نتج عن الترف الذي أغرق بعض الطبقات، بعد اتساع الفتوحات، وكثرة الأموال، وازدهار الحياة الاقتصادية، مما أورث غُلوًّا في الجانب المادي، مصحوبًا بغلوآخر في الجانب العقلي، أصبح الإيمان عبارة عن "فلسفة" و"علم كلام" "وجدل"، لا يشبع للإنسان نهمًا روحيًا، حتى الفقه أصبح إنما يعنى بظاهر الدين لا بباطنه، وبأعمال الجوارح. لا بأعمال القلوب وبمادة العبادات لا بروحها.
ومن هنا ظهر هؤلاء الصوفية ليسدُّوا ذلك الفراغ، الذي لم يستطع أن يشغله المتكلمون ولا أن يملأه الفقهاء، وصار لدى كثير من الناس جوع روحيّ، فلم يشبع هذا الجوع إلا الصوفية الذين عنوا بتطهير الباطن قبل الظاهر، وبعلاج أمراض النفوس، وإعطاء الأولوية لأعمال القلوب، وشغلوا أنفسهم بالتربية الروحية والأخلاقية، وصرفوا إليها جُلَّ تفكيرهم واهتمامهم ونشاطهم. حتى قال بعضهم: التصوف هوالخُلق، فمن زاد عليك في الخُلق فقد زاد عليك في التصوف. وكان أوائل الصوفية ملتزمين بالكتاب والسنة، وقَّافين عند حدود الشرع، مطارِدين للبدع والانحرافات في الفكر والسلوك.
ولقد دخل على أيدي الصوفية المتبعين كثير من الناس في الإسلام، وتاب على أيديهم أعداد لا تحصى من العصاة، وخلّفوا وراءهم ثروة من المعارف والتجارب الروحية لا ينكرها إلا مكابر، أومتعصب عليهم.
والحقيقة أن كل إنسان يؤخذ من كلامه ويترك، والحكم هوالنص المعصوم من كتاب الله ومن سنة رسوله. فنستطيع أن نأخذ من الصوفية الجوانب المشرقة، كجانب الطاعة لله. وجانب محبة الناس بعضهم بعضًا، ومعرفة عيوب النفس، ومداخل الشيطان، وعلاجها، واهتمامهم بما يرقِّق القلوب، ويذكِّر بالآخرة. نستطيع أن نعرف عن هذا الكثير عن طريق بعض الصوفية كالإمام الغزالي.
■ الإمام الشاطبي (توفي سنة 790 هـ):
ذكرت "المسلم" مجلة العشيرة المحمدية تحت عنوان: الإمام الشاطبي صوفي سلفي للسيد أبي التقى أحمد خليل: كتاب الاعتصام من الكتب التي يعتبرها المتسلفة مرجعا أساسيا لبعض آرائهم، ويرون في الشيخ أبي اسحاق الشاطبي إماما لهم، وقد عقد الإمام الشاطبي في كتابه هذا فصولا كريمة عن التصوف الإسلامي، وأثبت أنه من صميم الدين، وليس هومبتدعا، ووفى المقام هناك بما تخرس له الألسن، وتسلم له العقول والقلوب فاستمع إلى الإمام الشاطبي يقول:
(إن كثيرا من الجهال يعتقدون في الصوفية أنهم متساهلون في الاتباع والتزام ما لم يأت في الشرع التزامه مما يقولون به ويعملون عليه، وحاشاهم من ذلك أن يعتقدوه أويقولوا به. فأول شيء بنوا عليه طريقهم اتباع السنة واجتناب ما خالفها، حتى زعم مذكرهم وحافظ مأخذهم وعمود نحلتهم أبوالقاسم القشيري: إنهم إنما اختصوا باسم التصوف انفرادا به عن أهل البدع. فذكر أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسم أفاضلهم في عصرهم باسم علم سوى الصحبة، إذ لا فضيلة فوقها، ثم سمي من يليهم التابعين، ثم اختلف الناس وتباينت المراتب، فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية في الدين: الزهاد والعباد. قال: ثم ظهرت البدع وادعى كل فريق أن فيهم زهادا وعبادا، فانفرد خواص أهل السنة، المراعون أنفسهم مع الله، والحافظون قلوبهم عن الغفلة باسم التصوف، فتأمل تغنم، والله أعلم) المصدر عدد شهر ذي القعدة 1373 هـ من "المسلم" مجلة العشيرة المحمدية.
■ الشيخ محمد متولي الشعراوي:
يقول فيما يرويه لنا كتاب (أصول الوصول) للشيخ زكي إبراهيم: الصوفي يتقرب إلى الله بفروض الله، ثم يزيدها بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، من جنس ما فرض الله، وأن يكون عنده صفاء في استقبال أقضية العبادة فيكون صافيا لله، والصفاء هو كونك تصافي الله فيصافيك الله. والتصوف رياضة روحية لأنها تلزم الإنسان بمنهج تعبدي لله ما فرضه. وهذه خطوة نحو الود مع الله. وهكذا يمن الله تعالى هؤلاء المتصوفين ببعض العطاءات التي تثبت لهم أنهم على الطريق الصحيح، تلك العطاءات هي طرق ناموس ما في الكون، ويكون ذلك على حسب قدر صفاء المؤمن، فقد يعطي الله صفحة من صفحات الكون لأي إنسان، فينبئه به أو يبشره به ليجذبه إلى جهته. وعندما يدخل الصوفي في مقامات متعددة وجئنا بمن لم يتريض ولم يدخل في مقامات الود وحدثناه بها، فلا شك أنه يكذبها ولكن تكذيبها دليل حلاوتها. والمتصوف الحقيقي يعطيه الله أشياء لا تصدقها عقول الآخرين، ولذلك فعليه أن يفرح بذلك ولا يغضب من تكذيب الآخرين له.
■ الاستاذ عبد الباري الندوي:
يقول في كتابه (بين التصوف والحياة)، في عدة صفحات متفرقة من كتابه: يجب أن يعرف المسلمون أنه لا حظ لهم من الدنيا إذا لم يتمكن في أعماق نفوسهم الإيمان الخالص. ومن الظلم والجور العظيمين أن تنفق في تحصيل العلم الظاهر سنوات عديدة ولا تبذل لإصلاح الباطن عدة شهور، إن التصوف أو العلم الباطني بالغ فيه الناس مبالغة عظيمة، وصوروه تصويرا شائها، وشرحوه شرحا طبعه بطابع الضلالة إلا أنه قانون لأعمال القلب والباطن.. ونجد تفاصيل أحكام التصوف منصوصة في الكتاب والسنة مثل ما نجد أحكام الفقه تماما وتتبين أهمية أحكام التصوف وأفضليته من نصوص القرآن والحديث التي تصرح بها أو تلمح إليها.
فإن أبى شخص أن يعترف بالتصوف كعلم بعينه وفن بذاته فلم لا ينفر ويشمئز من المصطلحات الدينية الأخرى، من تفسير ومفسر، وتجويد ومجود، وكلام ومتكلم، وغيرها، أما أولئك الذين رأوا التصوف والطريقة والحقيقة والمعرفة ضدا للبشرية فهؤلاء الذين وقعوا في ضلالة أشد خطأ وأطم.
■ الفقيه ابن عابدين (توفي سنة 1252 هـ):
وتحدث خاتمة المحققين العلامة الكبير والفقيه الشهير الشيخ محمد أمين المشهور بابن عابدين رحمه الله تعالى في كتابه المسمى "مجموعة رسائل ابن عابدين" الرسالة السابعة "شفاء العليل وبل الغليل في حكم الوصية بالختمات والتهاليل" عن البدع الدخيلة على الدين مما يجري في المآتم والختمات من قبل أشخاص تزيوا بزي العلم وانتحلوا اسم الصوفية، ثم استدرك الكلام عن الصوفية الصادقين حتى لا يظن أنه يتكلم عنهم عامة فقال:
(ولا كلام لنا مع الصدق من ساداتنا الصوفية المبرئين عن كل خصلة ردية، فقد سئل إمام الطائفتين سيدنا الجنيد: إن إقواما يتواجدون ويتمايلون؟ فقال: دعوهم مع الله تعالى يفرحون، فانهم قوم قطعت الطريق أكبادهم، ومزق النصب فؤادهم، وضاقوا ذرعا، فلا حرج عليهم إذا تنفسوا مداواة لحالهم، ولوذقت مذاقهم عذرتهم في صياحهم).
■ ابن عجيبة :
(التصوف لب الإسلام، وهوعلم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك، وتصفية البواطن من الرذائل، وتحليتها بأنواع الفضائل، وأوله علم وأوسطه عمل وآخره موهبة. وأصله " أي التصوف" أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة التابعين، ومن بعدهم طريقة الحق والهداية وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد في ما يقبل عليه الجمهور من لذة مال وجاه والانفراد عن الخلق، والخلوة للعبادة، وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف، فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة، فمن هذه النصوص، يتبين لنا أن التصوف ليس أمرا مستحدثا جديدا، ولكنه مأخوذ من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحياة أصحابه الكرام، فالصحابة والتابعون وإن لم يتسموا باسم المتصوفين، كانوا صوفيين فعلا، وإن لم يكونوا كذلك اسما).
■ الشيخ ابن تيمية :
تحدث الشيخ أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى عن تمسك الصوفية بالكتاب والسنة في الجزء العاشر من مجموع فتاويه فقال: (فأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وغيرهم من المتقدمين، ومثل الشيخ عبد القادرالجيلاني والشيخ حماد والشيخ أبي البيان، وغيرهم من المتأخرين، فهم لا يسوغون للسالك ولو طار في الهواء أو مشى على الماء أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين، بل عليه أن يعمل المأمور ويدع المحظور إلى أن يموت. وهذا هوالحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف، وهذا كثير في كلامهم).
■ الشيخ رشيد رضا رحمه الله
قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله تعالى (لقد انفرد الصوفية بركن عظيم من أركان الدين، لا يطاولهم فيه مطاول، وهو التهذيب علماً وتخلقاً وتحققاً، ثم لما دونت العلوم في الملة، كتب شيوخ هذه الطائفة في الأخلاق ومحاسبة النفس..) .
مجلة المنار السنة الأولى ص726 من كتاب حقائق عن التصوف
■ الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي حفظه الله:
مقتطفات من إجاباته على أسئلة الزوار في موقعه على الإنترنت:
الصوفية تعني العمل على تصفية النفس من أخلاقها الذميمة عن طريق كثرة الذكر، وكثرة الالتجاء إلى الله بالدعاء. أما تخلص الإنسان من ارتكاب المحرمات، فذلك لا يتحقق إلا للرسل والأنبياء أما غيرهم ، فيظلون معرضين للمعاصي ، وكل بني آدام خطاء وخير الخطائين التوابون.
كلمة (التصوف) تعني العمل على تطهير النفس من الصفات المذمومة، وهذا هو لب الإسلام وجوهره، وكلمة (التصوف) ككلمة (التزكية) الواردة في القرآن كلاهما بمعنى واحد. وعلى هذا فكل مسلم صادق في إسلامه مستجيب لأوامر الله الواردة في كتابه، لابدَّ أن يكون متصوفاً أو بتعبير آخر مهتماً بتزكية نفسه.
الصوفية المنضبطة بالكتاب والسنة لبّ الإسلام وجوهره.
علماء التصوف كعلماء الشريعة، وكعلماء الأدب واللغة العربية... إلخ، فكما أن في هؤلاء العلماء من يخطئ في الفتوى وفي التعليم، بل قد تجد فيهم من يدجّل، فكذلك في علماء التصوف من أخطؤوا في فهمه أو فهم جوانب منه، بل ربما تجد فيهم دجاجلة كاذبين. إذن التصوف من حيث هو ليس خطأ والمتصوفة ليسوا مخطئين ولكن كثيراً ما يتسرب إليهم جاهلون أو دجالون.
الطُّرق الصُّوفية يحكم لها أو عليها حسب موافقتها أو مخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية التي دلَّ عليها كتاب الله وسنّة رسوله. إن هذه الطُّرق، على تنوُّعها واختلافها، لا تخرج عن كونها مناهج متعددة ومختلفة إلى تربية النفس وتطهيرها من الرُّعونات والآفات.. ولا شكَّ أن هذا الهدف مشروع ومطلوب، كيف لا ومدار الشريعة الإسلامية كلها على تزكية النفس والسُّموّ بها إلى مكارم الأخلاق. ولكن لا يكفي أن يكون الهدف وحده نبيلاً ومشروعاً، بل لا بدَّ أن تكون السُّبل إليه مشروعة أيضاً. ولا شكَّ أن كثيراً من المرشدين والقائمين على رعاية الطُّرق الصوفية، يتجاوزون حدود الشريعة الإسلامية في كثير من مناهجهم وأساليبهم التَّربوية التي يأخذون بها مريديهم، إن بقصد أو دون قصد.. هذه الطرق تصبح باطلة غير مشروعة في هذه الحال، مهما قيل عن أهدافها المشروعة والنبيلة، بل كُن على يقين أن الهدف المشروع في ميزان الإسلام لا يتحقق إلاّ من خلال التَّمسُّك بميزان الإسلام ذاته.
ما نقل عن الجنيد البغدادي والشبلي مما ذكرت (في سؤالك) كذب عليهما. وقد كان كل منهما مضرب المثل في التمسك بالكتاب والسنة والتحذير من أفكار وحدة الوجود.
كما قال في كتابه (هذا والدي): كان أبي رحمه الله يجزم بأن التصوف النقي هو جوهر الإسلام ولبابه وكان يؤكد أن المسلم إذا لم يكن قد تشرب حقيقة التصوف فقد حبس نفسه في معاني الإسلام ولم يرق صعدا إلى حقيقة الإيمان.
وقال أيضاً : التصوف الحقيقي لا يمكن إلا أن يكون مأخوذا من كتاب الله وسنة رسوله، ذلك لأن السعي إلى الوصول إلى ثمرات الإيمان بالله في القلب واجب، رسمه القرآن وأكدته السنة، ولم يكن رحمه الله يقيم وزنا لتصوف لم ينهض على أساس من العلم السليم بكتاب الله وسنة رسوله، وكان يرى أن صدق الانفعال بثمرات الإيمان التي هي حقيقة التصوف ولبه لا يأتي إلا من سعة العلم بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليهم وسلم وبالشرائع والأحكام التي خاطب الله بها عباده.
وقال حفظه الله أيضا في كتاب (السلفية): التصوف بمعناه الحقيقي السليم هو لب الإسلام، وجوهره الكامن في أعماق فؤاد الإنسان المسلم وبدونه يغدو الإسلام مجرد رسوم ومظاهر وشعارات، يجامل بها الناس بعضهم بعضا وهذا اللباب يتمثل في الرغبة والرهبة إذ تهيمن على قلب المسلم حبا له ومخافة منه فيتطهر فؤاده من أدران الضغائن والأحقا وحب الدنيا. ولا توقفنك إزاء هذه الحقيقة مشكلة الاسم، فلقد كان التحلي بهذا اللباب في صدر الإسلام مسمى لا اسم له إلا الإسلام، ثم سمي فيما بعد بـالتصوف. (بتصرف)
■ الاستاذ عباس محمود العقاد:
يقول في كتابه (الفلسفة القرآنية): التصوف في الحقيقة غير دخيل في العقيدة الإسلامية كما قلنا في كتابنا عن أثر العرب في الحضارة الأوروبية، ومثبوت في آيات القرآن الكريم، مستكن بأصوله، في عقائد صريحة.
■ الدكتور عبد الحليم محمود (شيخ الأزهر سابقا):
يقول في كتابه (قضية التصوف): التصوف لا يعدو أن يكون جهادا عنيفا ضد الرغبات ليصل الإنسان إلى السمو أو إلى الكمال الروحي، ليكون عارفا بالله، وإن الذين يربطون بين التصوف من جانب أو الكرامات وخوارق العادات من جانب آخر كثيرون، ولكن التصوف ليس كرامات ولا خوارق للعادات.
■ أبو الأعلى المودودي:
قال العلامة الكبير الاستاذ أبو الأعلى المودودي في كتابه مبادئ الإسلام تحت عنوان التصوف: إن علاقة الفقه إنما هي بظاهر الإنسان فقط، ولا ينظر إلا هل قمت بما أمرت به على الوجه المطلوب أم لا؟ فإن قمت فلا تهمه حال قلبك وكيفيته، أما الشيء الذي يتعلق بالقلب ويبحث عن كيفيته فهو التصوف.
إن الفقه لا ينظر في صلاتك مثلا إلا هل أتممت وضوءك على الوجه الصحيح أم لا؟ وهل صليت موليا وجهك شطر المسجد الحرام أم لا؟ وهل أديت أركان الصلاة كلها أم لا؟ وهل قرأت في صلاتك بكل ما يجب أن تقرأ فيها أم لا؟ فإن قمت بكل ذلك فقد صحت صلاتك بحكم الفقه، إلا أن الذي يهم التصوف هو ما يكون عليه قلبك حين أدائك هذه الصلاة من الحالة، هل أنبت فيها إلى ربك أم لا؟ وهل تجرد قلبك فيها عن هموم الدنيا وشؤونها أم لا؟ وهل أنشأت فيك هذه الصلاة خشية الله واليقين بكونه خبيرا بصيرا، وعاطفة ابتغاء وجهه الأعلى وحده أم لا؟ وإلى أي حد نزهت هذه الصلاة روحه؟ وإلى أي حد جعلته مؤمنا صادقا عاملا بمقتضيات إيمانه؟ فعلى قدر ما تحصل له هذه الأمور وهي من غايات الصلاة وأغراضها الحقيقية في صلاته تكون صلاته كاملة في نظر التصوف، وعلى قدر ما ينقصها الكمال من هذه الوجهة تكون ناقصة في نظر التصوف. فهكذا لا يهم الفقه في سائر الأحكام الشرعية إلا هل أدى المرء الأعمال على الوجه الذي أمره به لأدائها أم لا. أما التصوف فيبحث عما كان في قلبه من الإخلاص وصفاء النية وصدق الطاعة عند قيامه بهذه الأعمال، ويمكنك أن تدرك هذا الفرق بين الفقه والتصوف بمثل أضربه لك:
إنك إذا أتاك رجل نظرت فيه من وجهتين، إحداهما: هل هو صحيح البدن كامل الأعضاء؟ أم في بدنه شيء من العرج أو العمى؟ وهل هو جميل الوجه أو ذميمه؟ وهل هو لابس زسا فاخرا أو ثيابا بالية.
والوجهة الأخرى: إنك تريد أن تعرف أخلاقه، وعاداته، وخصاله، ومبلغه من العلم والعقل ولاصلاح. فالوجهة الأولى وجهة الفقه، والوجهة الثانية وجهة التصوف، وكذلك إذا أردت أن تتخذ أحدا صديقا لك، فإنك تتأمل في شخصيته من كلا الوجهتين، وتحب أن يكون جميل المنظر وجميل الباطن معا، كذلك لا تجعل في عين الإسلام إلا الحياة التي فيها اتباع كامل صحيح لأحكام الشريعة من الوجهتين الظاهرة والباطنة.
ثم قال: إنما التصوف عبارة في حقيقة الأمر عن حب الله ورسوله الصادق، بل الولوع بهما والتفاني في سبيلهما، والذي يقتضيه هذا الولوع والتفاني ألا ينحرف المسلم قيد شعرة عن اتباع أحكام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فليس التصوف الإسلامي الخالص بشيء مستقل عن الشريعة، وإنما هو القيام بغاية من الإخلاص وصفاء النية وطهارة القلب.
■ جلال الدين السيوطي رحمه الله:
قال العلامة المشهور جلال الدين السيوطي رحمه اله تعالى في كتابه (تأييد الحقيقة العلية): إن التصوف في نفسه علم شريف، وإن مداره على اتباع السنة وترك البدع، والتبري من النفس وعوائدها وحظوظها وأغراضها ومراداتها واختياراتها والتسليم لله والرضى به وبقضائه، وطلب محبته واحتقار ما سواه.. وعلمت أيضا أنه قد كثر فيه الدخيل من قوم تشبهوا بأهله وليسوا منهم، فأدخلوا فيه ما ليس منه، فأدى ذلك إلى إساءة الظن بالجميع، فوجه أهل العلم للتمييز بين الصنفين ليعلم أهل الحق من أهل الباطل، وقد تأملت الأمور التي أنكرها أئمة الشرع على الصوفية فلم أر صوفيا محققا يقول بشيء منها، وإنما يقول بها أهل البدع والغلاة الذين ادعوا أنهم صوفية وليسوا منهم.
■ الشيخ حسني حسن الشريف حفظه الله :
التصوف عندنا تزكية للقلب، لحفظ لطيفته، كحفظ الطب للأبدان، حتى يبقى القلب دائما محلاً طاهراً لنظر الله عز وجل.
وجملة القول أن أهل هذا الطريق أشهر وأسمى من أن يُحتاج في التعرف عليهم إلى لفظ مشتق أو قياس على هذا اللفظ، فالسالك لا يهمه الاسم الذي يطلق عليه مهما كان، طالما أنه مع الله والى الله في عمله وقصده، وإنما همه ومبتغاه هو أن يكون مع خالقه بلا غرض ولا مطلب ولا تحقيق شهوة دنيوية؛ اللهم إلا علاقة الشكر الدائم الذي لا ينقطع، والشعور بالقصور، والشعور بالقرب بعد كدورة البعد {اعْمَلُوا ءَالَ دَاوُدَ شُكْرًا} (13 سبأ).
وسواء سمي السالك صوفياً، أو أي اسم آخر، فهذا ليس بالأمر المهم، فنحن لا نهتم بالألفاظ والمسميات بقدر ما نهتم بالحقائق والمبادئ، فإذا ذكر أمامنا لفظ الصوفي أو التصوف، تبادرت إلى أذهاننا معاني تزكية النفوس، وصفاء القلوب، والسعي حثيثاً لإصلاحها، وصولاً إلى مرتبة الإحسان التي هي مقام كل العارفين الربانيين، الذين تحققوا من معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير الإحسان (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك). فهذه الحقائق سميت في القرن الثاني للهجرة تصوفاً، ولنا أن نسميه الآن: «الجانب الروحي في الإسلام» أو «أخلاق الإسلام» أو «التحقق من معاني الإحسان» أو أي اسم يتفق مع معاني شريعتنا الغراء وما جاء به الكتاب والسنة، وهما مصدر التصوف وحقيقته.
أما إنكار بعض الناس على هذا اللفظ (التصوف) بأنه لم يُسمع في عهد الصحابة والتابعين فهو مردود جملةً وتفصيلاً، لأن معظم الاصطلاحات أُحدثت بعد زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، واستعملها جيل الصحابة والتابعين، ولم تُنكر من كبار الصحابة وأئمة التابعين، كألفاظ التابعين، وتابعي التابعين، وأمير المؤمنين، وألفاظ النحو والفقه والمنطق وعلوم الإدارة و الدواوين وعلوم القرآن والتفاسير وعلوم الحديث والجرح والتعديل، كل هذه الاصطلاحات لم تكن تستعمل زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعملت فيما بعد ولم تنكر. من كتاب الدلالة النورانية .